إلى اللقاء في قيامة أخرى!
عبد الحميد جماهري
يعطي رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الانطباع بأنه سيرحل قريبا عن الأرض!
منذ مدة، وهو يقنعنا بأن كل من في العالم على خطأ، وأن الأرض ليست هي الإقامة التي تليق برجل جاء إليها من صناديق المال والشعبوية.
كأي غريب عن قواسمها المشاعة، قرر أن مناخها لا يستحق أن نهتم له. فقرر بعد ذلك الانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ: كغريب، التفت جهة الأرض، التي تختنق بثاني أكسيد الكاربون، وحمض الفوسفور، وتتلظى في اختناق الانحباس الحراري، وقال لنا، ولم نسمع: ربما أنا مبهم، مبهم جدا، لكن الأرض لا تعنيني، لأنها لا تعني أصحاب الأسلحة، وشركات النفط العملاقة، وباعة الأسلاك الكهربائية، وموزعي القنينات البلاستيكية وسعاة الماكدونالد».
ليس مبهما تماما كما يوحي بذلك، فهو يعرف أنه ليس من أرض يشترك البشر فيها الهواء والماء والتربة والقمح.
خرج من كل ما يشكل ناموس الأرض وقوانينها.
بعد المناخ، والاختناق، تنبه إلى أن الأرض ما زالت لديها منظمة للصحة، وأنها قد تساعد البشرية في وقت الجائحة، وبلا أي خجل، بلا أي ورع، قرر الخروج من منظمة الصحة والأرض تشرئب نحوها لعلها تصدر وصفة للعلاج أو وصفة للوقاية..
سحب أمواله مثل أي هارب محتال، من باخرة توحي بأنها توشك على الغرق…
لا يحب الأرض وهي تتنفس بصعوبة،
ولا يحب الناس وهم يتنفسون بصعوبة.
وكل مرة يفشل في تنبؤات سياسية، يفضل أن يعود إلى أناجيل الرأسمالية الفجة، وتعاليم المركبات الصناعية العسكرية، ويفتي بضرورة شنق الأرض ومن عليها..
ترامب من الطينة التي ترى الشجاعة الوحيدة الممكنة إزاء البشرية هي الـ…هروب من المشترك الأنساني، لهذا يرمي المسؤولية على منظمة الصحة العالمية، كما فعل من قبل مع اليونيسكو ومع غيرها من اتفاقات البشر..
لم يملك الحد الأدنى من الخجل البشري، فرعون ذو الباروكة الطبيعية، في أن يعترف بأنه لم يدرك مغزى المرض، هو الذي ظل يراقب الأرض دوما من سيارات مذهبة أو من أعلى العمارات الناطحة للسحاب..
لم يعرف بالخجل اللازم أنه جانب الصواب، لهذا يسَرِّع المأتم ويتمنى أن تتفرغ القيامة للبشر لكي يبقى وحيدا دليلا عل صوابه..
لا شيء في عقله البنكي، سوى الشبهات:
هذه المنظمة قريبة من الفلسطينية،
وهذه الأخرى قريبة من الصين،
وهذه الأرض برمتها قريبة من البشر فلا بد من خنقها..
ويسحب التمويل، كطريقة الكوبوي في توجيه التهمة: الأمريكيون اليوم قرابة 30 ألفا ماتوا بعدوى الفيروس،
وعوض أن يشفيهم … فضل أن يشفي غليله، فيتهم المنظمة بأنها عشيقة غريمه الصيني!
لا بؤس أكثر من هذا، لا غرابة أكثر من هذا الخواء الأمريكي المقدس بالمال والقوة العسكرية..
شعوره بالذنب يمر عبر معاقبة الآخرين، كما ترسم لنا المسلسلات البوليسية عقلية القاتل الباطولوجي،
“السوسيوباط” الذي يكره الناس، لأنه أخطأ ذات يوم في ترتيب علاقة ضميره مع العالم..
سوء تدبيره للأزمة منذ البداية، ما وجد له مخرجا سوى تحميل المسؤولية بطريقة فجة، للمنظمة لتغطية الفشل..
ونهاية الجبروت الفظ الذي يتغنى به كلما قابل انسانا في الطريق!
يختار الرئيس الأمريكي، عندما يشتعل الحريق أن يقطع أنبوب الماء عن رجال المطافئ.
ويختار أن يقطع أنبوب الأكسجين عن المريض، في قاعة العمليات..
يتصرف، من فرط الغرور الرأسمالي، والشعبوية المقيتة أنه من فضاء خارجي، وأن الأرض كانت تنتظره، كي يعيد السماء إلى مكانتها: فقد رأيناه في القدس وفي التغني بالتلمود الذي يبشر بقتل الفلسطيني فوق أرضه ومقدساته..
هو يعطينا موعدا إلى قيامة أخرى ، فهذه لن تكفيه ليشد بخناق الكوكب..
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 17/04/2020