إيران والمغرب: تشيُّع، صواريخ و«درونز»..2/1

عبد الحميد جماهري
فالقطيعة الثانية كانت طبيعتها تضامنية بعد حوادث ايران والبحرين في 2008…
وفي عام 2009، تم التراشق بين البلدين بسبب وقوف المغرب إلى جانب البحرين، بعد إعلان مسؤولين إيرانيين أن البحرين عبارة عن محافظة إيرانية، إلى جانب عوامل أخرى ساهمت في القطيعة الجديدة، وتجميد العلاقات إلى حدود عام 2014.وانتقلت المسوغات السياسية الى الانتشار الشيعي في منطقة غرب القارة الافريقية.وقتها صرح ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، إن «الأمن الروحي للمغاربة وللقارة الإفريقية يعتبر من بين الأولويات للتصدي إلى الأطماع الإيرانية في القارة».
لم يعد هذا المشهد الثنائي كافيا لتوصيف العلاقة، نظرا للتغيرات الجوهرية الحاصلة ، بعضها يهم البلدين وبعضها الاخر يتعلق بالمعطيات المستجدة في رقعة الشطرنج شمال افريقيا والشرق الاوسط.
وقد يبدو أن العلاقة تتحسن كلما فاز التيار الاصلاحي في طهران وحاز بعض المواقع في القرار السياسي ، في حين تتأزم عند العكس كما يتحض من خلال حوليات العلاقة هاته. ومن ذلك استعادة «العلاقات عافيتها تدريجيا،في الفترة مابين 2014 و2018 إذ ساهم وصول حسن روحاني إلى منصب الرئاسة وانتهاء حقبة سلفه أحمدي نجاد، في تهدئة مخاوف المغرب من التوجهات الايرانية« .
العنصر الثاني ، له بُعد عربي ، حيث تعيدنا الاجواء الحالية إلي مثيلتها في اعداد القمة العربية لقمة فاس 1982،. وقتها أعلن الملك الراحل الحسن الثاني استعداده إلى جانب باقي الدول العربية في مؤتمر القمة العربي لتنفيذ التزاماته تجاه العراق في حربها ضد ايران.
ونجد هذه الاخيرة اليوم في صلب جدول اعمال القمة اللعربية القادمة في الجزائر، ويلعب المغرب دورا مهما في ما يتعلق باشغال «اللجنة الرباعية المتعلقة بتدخلات ايران في الشؤون العربية». من خلال تقديم مقترحات تبنتها اللجنة بخصوص تجنيد الأطفال وتسليح الميلشيات ودعم الانفصال، وهو في ذلك يربط بين البوليزاريو والحوثيين …المدعوميْن من طرف ايران!
العنصر الثالث يهم المغرب الكبير كفضاء جيوسياسي لم يعد محمية فرنسية محضة ولا غربية بحتة ، تخضع فقط لتوازنات الدول المصنِّعة للحدث الدولي، بل دخلته كذلك قوى جديدة تسعى الى جعل هذا الفضاء امتداد لها، كتركيا وايران وروسيا بالأساس..مع الطموح المغربي بلعب دوره كقوة اقليمية فشمال افريقيا وفي القارة، وهو طموح بدأ يكتسِب، ممكناته الملموسة، مما جرَّ عليه غضب الحلفاء القدامى أنفسهم ومنهم فرنسا ذاتها..
هذه لتحولات تمتح جدرها من تغير البراديغمات الاسترتجية، وانتقالها من صراع نفوذ ايدلوجي وعسكري الى صراع بناء الدولة الوطنية ووحدة الدول. وهو الصمام الاساسي في تحديد التحالفات..
وبلغة اوضح، كان «التناسب» الجيوسياسي السابق، يققم على علاقة تضاد بين القوة الرئيسية فرنسا والقوة الصاعدة ايران، وكلما ابتعدت الدول عن ايران اقتربت من فرنسا وكلما كرست علاقتها بباريس والاتحاد الاوروبي ترهلت العلاقة مع طهران ، أما اليوم فنشهد أن العلاقة المغربية مع العاصمتين في حالة توتر أوبرود حسب درجة التورط في قضية المغرب الأولى..الصحراء. فالموقف الفرنسي أدنى بكثير من مواقف دولة حاسمة من قبيل الولايات المتحدة ، واقل من ألمانيا الشريك الاوروبي لفرنسا ودون ما ذهبت اليه مدريد التي تعد اليوم قطبا جيو سياسيا عسكريا للغرب واوروبا تحديدا ..
خلاصة، لقد كانت لدى المغرب شكوك غير معلنة بشأن وجود تعاون عسكري إيراني انفصالي، صار يتأكد مع ارتفاع الصراع ما بين الدول العربية والغرب ، في قلبه الولايات المتحدة وبين طهران.
زاده التوسع الشيعي في الشمال الافريقي وغرب القارة الافريقية
حدة ووضوحا. وقد انتقل الصراع الان الى جوهر وجود المغرب أي وحدته الترابية والوطنية. وكان لضلوع حزب لله اثر الصدمة في الوسط المغربي. فقد كان هناك جزء من النخبة الذي دعم حزب لله من زاوية المقاومة الوطنية، باعتبار أن حسن نصر لله يقود حربا وطنية عنوانها تحرير الجنوب اللبناني وحماية السيادة الترابية والقرار المستقِل في لبنان. وهي كلها مقومات الخطاب الوطني المغربي، ومقومات الادبيات الوحدوية في المغرب…
ولهذا كان لاكتشاف المغرب لوجود عمل مسلح لفائدة الحركة الانفصالية البوليزاريو عبر حزب لله صدمة كبيرة، حتى لدى الاطراف التي لا تقتسم مع الدولة تحليلها الجوستراتيجي . لقد اتفق المغاربة على أن معيار الحكم على التحالفات والعلاقات هو القضية الوطنية ، وعبَّر العاهل المغبربي عن ذلك بالقول:«إن الصحراء هي النظارات التي نرى من خلالها العالم ..» ونرى من خلالها الحلفاء.. وبالتالي فكل شيء يخضع لشرط الوجوب هذا في بناء التحالفات، حتى تلك التي لا تخطر على بال!
ومن الواضح أن العلاقات دخلت منطقة قاتمة، بعدما استقر النزاع على قاعدة الوحدة الوطنية للمغرب…
نشر في موقع «العربي الجديد»
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/10/2022