إيموجي.. لجنائية العدل الدولية !

عبد الحميد جماهري

هي ‬محاكمة‭ ‬للغرب‮: ‬‭‬فهو‭ ‬اكتشف‭ ‬الأنوار،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬مسكونا‭ ‬بالظلامية،‭ ‬واكتشف‭ ‬محاسن‭ ‬الانسجام‭ ‬العقلي‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬غارقا‭ ‬
في‭ ‬الجهل‭ ‬المقدس،‭ ‬وهو‭ ‬اكتشف‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحقوق‭ ‬الشعوب‭ ‬وحقوق‭ ‬الوجود‭ ‬لأنه‭ ‬كان،‭ ‬لزمن‭ ‬طويل،‭ ‬ضحية‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬استبداد‭ ‬

منذ أزيد من ربع قرن، اتفق العالم، أو أغلبه على الأقل، على الاتفاقية التأسيسية للعدالة الجنائية الدولية، بروما في يوليوز من 1998. كان الحقوقيون ورجال القانون والعاملون في العدالة يصنعون مِسلُة عالمية تذكرنا بما قد يقترفه العالم ضد نفسه، العالم القوي والعنصري والمسلح والمدعوم، ضد العالم الضعيف، المعزول، المستضعف والمجبر على التراجيديا.
في روما التي اشتهرت بمن أحرقها أراد العالم أن يصنع محكمة لإطفاء الحرائق التي تشب في تلابيب البشرية.
جرائم الإبادات
الجرائم ضد الإنسانية
وجرائم الحرب
والعدوان..
كل جريمة من هاته تحرك المحكمة والعدل والقوة المناصرة للحق..
بالرغم من أنها كلها، بكل تصنيفاتها الوجودية والمادية، تتقاطع في ملتقى الجسد الفلسطيني، ومع ذلك، هناك من يعيد تعريف المتفق على تعريفه، بإنعاش مفارقة غريبة:
اتفق العالم على القوة التي يجب عليها أن تقف في صف الحق..
لكنه فاجأنا منذ اندلاع الحرب على شعب فلسطين فوق تراب غزة بخلاف حاد حول.تعريف.. الحق نفسه!
مفارقات الكيل بمكيالين لم تعد تلخص هذا الموقف، ولا عادت تقدم للإنسانية تناقضاتها(غربية أو جماعية) تفسيرا لخِزْيها أمام العنف الليفياتان المتجدد!
( فالدولة فاعل فيبيريweber عندما تكتفي بالعنف المشروع في الداخل، سرعان ما يتحول الى فاعل هبوزوي Hobbesعندما يمارس العنف في الخارج)
كان لا بد من الذهاب بعيدا، بالفلسفة والسياسة والمنطق، إلى حد إعادة تعريف ما اتفق عليه الوجود الإنساني قبل العمل الإنساني نفسه.
الحق في الحياة فوق أرض سليمة، مرصعة بكلام الأنبياء وبأناشيد السلام.
مفارقة العالم هو هذا التضخم المؤسساتي الذي انبثق عن أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكن مقابل فقر فظيع في الحس الأخلاقي لصالح الفقير المستضعف البعيد عن صرة ونرسيسية الغرب، ومن يناصره!
هي محاكمة للغرب: فهو اكتشف الأنوار، لأنه كان مسكونا بالظلامية، واكتشف محاسن الانسجام العقلي لأنه كان غارقا في الجهل المقدس، وهو اكتشف حقوق الإنسان وحقوق الشعوب وحقوق الوجود لأنه كان، لزمن طويل، ضحية ما فيه من استبداد الظلامية وحروب وأشباح وشياطين وجنون.
هو عالج نفسه بما قدمه لنا من أدوية بوصفات حقوقية وقيمية وثقافية، لا يمكن أن نعيبها لأنها شفته من أسقامه ولا يريد أن يشفي بها أسقامنا. ولا يمكن ألا نعاقبه بما قدمه لنا، هي فرصتنا لكي نحاكمه بما سنه من قوانين، ونستخدم العقل السجالي كلما أراد أن يعود به إلى خموله الذي يبرر الوحشية والدم كما في غزة.
من مفارقات المعاصرة أن يوم 17 يوليوز ، هو أيضا يوم «أيقونات» الواتساب ،الايموجي. وفي عالم اليوم قد يكون له متابعون أكثر مما ليوم العدل الدولي ضد الجنايات. وهذا تحول قيمي آخر، يجب الانتباه له.بما يصنعه من أتباع بعيدا عن انشغالات العالم الدموية. وهو صناعة يابانية، أي غير غربية!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 18/07/2024