‬اذهب‭ ‬عنده،‭ ‬اذهب‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬الأول‮!‬

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

‬الحج‭ ‬إلى‭ ‬أقاليم‭ ‬الله‭ ‬المباركة‮!‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬قلبك‭ ‬كعبة‮…‬‭ ‬فاذهب‭ ‬إليه‭ ‬بالتكبير‭ ‬والتلبية‮!‬
كفكف‭ ‬من‭ ‬غربة‭ ‬نفسك،‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬ثقتك‭ ‬فيها‭ ‬زادت‭ ‬غربتك‭ ‬‮!‬
يضرب‭ ‬يداً‭ ‬بيد‭ ‬عندما‭ ‬يراني‭ ‬ثملاً
يصيح‮:«‬قد‭ ‬نسي‭ ‬التوبة‭ ‬وصار‭ ‬ثملاً‮»‬
توبتنا‭ ‬تشبه‭ ‬نفخ‭ ‬الزجاج‮:‬
صعب‭ ‬صنعه،‭ ‬لكنه‭ ‬سهل‭ ‬الكسر
مولانا‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومي‮!‬

قررت،‭ ‬بحول‭ ‬الله،‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬الغد الأربعاء‮..‬أن‭ ‬أسترجع‭ ‬لحظات‭ ‬الحج،‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مدارات‭ ‬كتابية،‭ ‬عن‭ ‬تلاطم‭ ‬المعرفة‭ ‬والإيمان،‭ ‬المشاهدات‭ ‬المهنية‭ ‬مع‭ ‬الفتوحات‭ ‬المكية،‭ ‬كما‭ ‬رصص‭ ‬لها‭ ‬الطريق،‭ ‬بخيال‭ ‬زلال‭ ‬ولغة‭ ‬طافحة‭ ‬صاحب‭ ‬المراتب‭ ‬العليا‭ ‬ابن‭ ‬عربي‮.‬‭ ‬وبنقل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬وما‭ ‬يدور‭ ‬أمامي،‭ ‬وما‭ ‬كنت‭ ‬أراه‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تمثيل‭ ‬نوبات‭ ‬من‭ ‬النبوة،‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬منى‭ ‬والجمرات،‭ ‬والحوارات‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬الأمان‭ ‬أحيانا‭ ‬أكثر‭ ‬قلقا‭ ‬من‭ ‬الغربة‭ ‬في‭ ‬الوجود‮..‬
‭ ‬‮–‬
‭ ‬مع الحرص‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للتأملات‭ ‬الصحافية‭ ‬حظها‭ ‬من‭ ‬الجدارة‭ ‬الدينية،‭ ‬كما‭ ‬للمشاهدات‭ ‬المحسوسة‭ ‬قسطها‭ ‬من‭ ‬مراتب‭ ‬الوجدان‮..‬‭ ‬
كنت‭ ‬أحدس‭ ‬بأن‭ ‬حياتي‭ ‬ستدخل‭ ‬منعطفا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬وتتغير‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب.لا‭ ‬لأني‭ ‬جئت‭ ‬إلى‭ ‬الحج‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬روحي‭ ‬طافح‭ ‬ومطلق،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬فيافي‭ ‬ديانة‭ ‬أخرى.أو‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬عقدي،‭ ‬كلا‮.‬‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬طارئا‭ ‬على‭ ‬الغيب‮:‬‭ ‬فَأنا‭ ‬ليَ‭ ‬فيه‭ ‬أقاصيص‭ ‬ورؤى‭ ‬من‭ ‬الطفولة‮.‬‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬أصوم‭ ‬وأصلي‭ ‬وأزكي‭ ‬وشهدت‭ ‬الشهادتين‭ ‬بالسليقة‭ ‬والإرادة‭ ‬والالتزام‭ ‬اليومي‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬خطوة‮.‬‭ ‬أخطوها‭ ‬في‭ ‬الحياة‮.‬‭ ‬وعليه‭ ‬كان‭ ‬الحج‭ ‬واردا‭ ‬في‭ ‬منطق‭ ‬الأشياء،‭ ‬ولما‭ ‬تحقق‭ ‬الإمكان‭ ‬واستوفيت‭ ‬القدرة،‭ ‬تحققت‭ ‬الزيارة‭ ‬‮..‬
هل‭ ‬أزعم‭ ‬بأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬عرضة‭ ‬للشك،‭ ‬أو‭ ‬لتنسيب‭ ‬الاعتقاد،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬للابتعاد‭ ‬عن‭ ‬نشأتي‭ ‬الدينية‭ ‬وسط‭ ‬أسرة‭ ‬تسكن‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬المسجد،‭ ‬تولت‭ ‬القيام‭ ‬بشؤون‭ ‬هذا‭ ‬المعبد‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬لجيل،‭ ‬من‭ ‬جد‭ ‬وعم‭ ‬وخال‭ ‬وأخ؟
لا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذا‭ ‬الادعاء‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صادقا‭ ‬‮..‬ربما من‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الذاهبين‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ ‬المقدس،‭ ‬كنت‭ ‬موزعا‭ ‬بين‭ ‬دعة‭ ‬وسكينة‭ ‬حياة‭ ‬ألفتها،‭ ‬وحياة‭ ‬تتراءى‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬مثير‭ ‬أو لعله ملغز‮…‬
كنت‭ ‬مقبلا‭ ‬على‭ ‬قطيعة‭ ‬أنثروبولوجية‮.‬‭ ‬بين‭ ‬اليومي‭ ‬المتكرر‭ ‬وبين‭ ‬الجدول‭ ‬الزمني‭ ‬العام‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتحن‭ ‬بميزان‭ ‬العدم‮!‬
‮.‬لكن‭ ‬كنت‭ ‬أحدس‭ ‬أن‭ ‬قلوبنا‭ ‬التي‭ ‬نضعها‭ ‬مؤتمنة‭ ‬عند‭ ‬صاحب‭ ‬القيامة‭ ‬،‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬تلتفت‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والنظر‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‮.‬
كنت‭ ‬من‭ ‬وجد‭ ‬الجواب‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬حياته،‭ ‬لكن‭ ‬الذي‭ ‬يقلقه‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬بعده‮!‬‭ ‬أو‭ ‬قل‭ ‬لا‭ ‬أجزم‭ ‬بأن‭ ‬الأمان‭ ‬أو‭ ‬الارتكاز‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬،‭ ‬تعفي‭ ‬من‭ ‬‮…‬‭ ‬القلق‭ ‬الأنتروبولوجي‮!‬
التحول‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الخطوة‭ ‬نفسها،‭ ‬مع‭ ‬تدقيق‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الهوية‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬الستينيات‭ ‬‮..‬هوية‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الحياة:كيف‭ ‬أعيشها‭ ‬وقد‭ ‬تخليت‭ ‬عن‭ ‬بعضها‭ ‬الكثير‮…‬؟كيف‭ ‬أواصل‭ ‬العيش،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الحياة‭ ‬أولوية،‭ ‬وقد‭ ‬تجاوزتها‭ ‬مشاغل‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬الجولة‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬العقد‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬العمر؟
كنت‭ ‬أعرف‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تيارا‭ ‬من‭ ‬المقادير‭ ‬يجرني‮:‬‭ ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬محاطا‭ ‬بالموت‭ ‬والموتى‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والأهل‭ ‬‮.‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أسلُّم‭ ‬بأنهم‭ ‬ذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬اللامكان،‭ ‬اللاعالم‭ ‬صنو‭ ‬العدم‭ ‬الجليل،‭ ‬أو‭ ‬تبخروا‭ ‬في‭ ‬الثقب‭ ‬الأسود‭ ‬لما‭ ‬قبل‭ ‬الخليقة،‭ ‬كما‭ ‬يشاء‭ ‬علماء‭ ‬الفيزياء‭ ‬الكوانطية‭ ‬ووجدتني‭ ‬في‭ ‬مفترق‭ ‬المشاعر‭ ‬لا‭ ‬القناعات‭ ‬أتساءل،‭ ‬أي‭ ‬طريق‭ ‬سأسلك‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‮..‬
الاطمئنان‭ ‬على‭ ‬قسطي‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬الروحانيات‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الكعبة‭ ‬رمزًا‭ ‬لقلبي‭ ‬كما‭ ‬يشاء‭ ‬الشيخ‭ ‬ابن‭ ‬عربي‮!‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 22/07/2025