استكمال الاستقلال بقوة القرار السيادي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

سنكون نحن، من الشعوب النادرة في التاريخ، التي حصلت على استقلالها كي تواصل المعركة…، من أجل استكماله!
وهذا الاستثناء التاريخي، كان مقابل استثناء في الاستعمار، حيث كانت البلاد، كما يعرف الجميع، موزعة بين قوتين عظميين، هما الاستعمارين الفرنسي والإسباني، لأن المغرب، لما استعمر، استعمر كإمبراطورية منهكة ومريضة…
كان علينا أن نخوض 44 سنة من المعارك – من 1912 إلى 1956 – من أجل الحصول على استقلال من القوتين المستعمرتين، في مرحلة أولى، وعلى مراحل تعرف أجندة توزيعها الزمني كل كتب التاريخ وطلبة الجغرافيا السياسية في بداية القرن الماضي…
وفي المرحلة التالية كان علينا أيضا أن نخوض معركة من 44 سنة، ما زلنا نخوضها من أجل استكمال وحدة التراب والإنسان…
خضنا الحرب الأولى أساسا ضد فرنسا، وفي المعركة الثانية، خضناها ضد من يُفْترض أنهم تحرروا مثلنا من فرنسا… وفي تحالف أولي لهم مع قوة من القوتين الاستعماريتين في الجنوب!
ونحن، على بعد 66 سنة من تاريخ التحرير، ننظر إلى مضمون استقلالنا بعين الرضى.
لقد كان لافتا أن السيادة ظلت مبدأ شرطيا في الخطاب السياسي المعاصر في المغرب.
في العشرية الأولى منه، أو على الأقل في نصفها، كان الحرص على استقلال الاقتصاد الوطني، والصناعة الوطنية والمالية الوطنية، والميل نحو المزيد من الابتعاد عن الترابط المتبادل بيننا وبين الاستعمار الفرنسي، هو صلب القرار الوطني.
التعبيرات ذات النبرة السيادية كانت تجد هواها كبيرا في القاموس الوطني، من النخبة إلى أبسط المقاومين…
لم نستكمل بهذا كل شحناته الضرورية لنا، في العشرية الأخيرة ظهر جليا أن مضامين الاستقلال تتجسد أكثر وبصلابة أكبر.
مثالان أولان:
القوتان الاستعماريتان معا، وجدتا في الخط الاستقلالي الوطني عرقلة لهما، كما وجدت فيه الصلابة الأولى لمعارك التحرير، وهكذا وقعت بلادنا في سوء فهم استراتيجي مع فرنسا أولا ثم مع إسبانيا ثانيا، حول قضايا تهم الراهن، لكنها في الوقت نفسه تحمل نَفَسَ الماضي…
وذلك دليل على أن المشاحنات الأصلية في العلاقة بينهما لا يمكن القفز عليها.
واليوم يمكن بالفخر ذاته الذي كان جيل الاستقلال والمقاومة يتحدث به عن قدرة البلاد على إعطاء مضامين تحررية للقرار السيادي، أن يفعل جيلنا نفس الشيء مع توجهات مغرب محمد السادس..
ففي الحديث الملكي في الخطابين الأخيرين عن السيادة، يوجد صلب القضية، أي تقوية السيادة بالاستقلال في القرار، سواء أكان صناعيا أوجيواستراتيجيا أو طاقيا أو صحيا…
ولعل من أبرز التمظهرات السيادية هو أن يقول الملك محمد السادس »لسنا محمية أحد«…، ومن أبرزها القدرة، في كل منعطف، على تسمية الأشياء بمسمياتها والغيرة الكبرى في التعامل مع الوطن والوطنية: حدث ذلك في قضية ألمانيا كما في قضية الاتحاد الأوروبي.
والحق أقول، إن وضع الإقرار بوحدة المغرب المحرر قاعدة في التعامل في مجال الشراكات الاقتصادية، وتبادل المصالح مسألة غيرمسبوقة في المحيط القريب والبعيد معا.
عادة كان الاقتصاد يبرر الكثير من« التردد الدافئ في السياسة… في مغرب محمد السادس، السيادة هي وحدة القياس الوحيدة في ضبط تبادل المصالح..
وكما قال المسيح، عليه السلام، : صار الله يمج الفاترين والمرتعشين والمترددين !
كما تتمثل السيادة أيضا في تنويع الشراكات الجيو- استراتيجية عبر علاقات مبنية على سياسة احترام هذه السيادة، ولم يكن المغرب سياديا في ما هو معروف إجمالا في العلاقات الدولية، بل في كل تجاربه، بما فيها تجارب التعددية الديموقراطية، حيث كان سياديا في تدبيره للربيع العربي.
فالديموقراطية أيضا جزء من السيادة عند الدول الوطنية العريقة…
وفي الشق الآخر، تتأسس الدولة الوطنية المستقلة على قوة المؤسسات، والطموح الترابي والتنمية وحماية الحدود…
ولطالما كرر ملك البلاد بأن التجاوب الإصلاحي، كان بدوره ثمرة اختيار سيادي، لا يساير موجات بقدر ما يتفاعل مع مناخها لتتويج مسار داخلي من الإصلاحات…
والمقصود، هو جعل اللحظة الوطنية، كما عند التحرير، مستمرة في الزمن المتعلق بالبناء الحديث…
وإذا كانت معركة التحرير قد خيضت انطلاقا من أبناء الشعب في الامتدادات الجغرافية والسكانية، بشكل عفوي وحماسي، فإن السيادة اليوم يقف فيها الشعب إلى جانب قوات نظامية تدافع عن الوطن والسلام والديمقوراطية مقابل مليشيات أو طوابير تدافع عن الاستبداد وعن نفسها وعن بقائها في مركز القرار في الحكم.
ولا تختلف المبررات العدائية، عند قوات الاستعمار وعند قوات العدوان: في كلتا الحالتين، هناك محاولة يائسة لفصل الشعب عن قيادته، البارحة مع محمد الخامس، عندما عرضت السلطات الفرنسية فصل الاستقلال عن الملكية ورفض الوطنيون جميعهم ذلك، واليوم محمد السادس..عندما يحاول أشباح الطغمة الفصل بين القصر وبين الشعب في قضية الوحدة الوطنية!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/11/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *