الأسرى يصنعون الأرض… بظلالهم فقط!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
إسرائيل تلزمها الحياة
خمس مرات …
لكي تستطيع تنفيذ حكمها بالمؤبد
على الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي،
… خمس مرات!
إسرائيل يلزمها أن تُعاد الدنيا
خمس مرات
وأن يعيش مروان خمس مرات
بخمس أرواح ، مثل قط خرافي
وأن يستعمر الشعب الفلسطيني خمس مرات
وأن يتوعدنا بلفور خمس مرات..
وأن نموت ونحيا خمس مرات..
ونخسر خمس حروب
وخمس جهات :شرق ، غرب، جنوب ، شمال …. وقلب!
لكي تستطيع أن تثبت بأنها دولة الديمقراطية والقضاء الحر
والواحة التي لا بد منها للعرب..
لكي يعرفوا أنهم غير أهل للحرية
وأن مروان البرغوثي، لا يمكن أن يستوفي بعمر واحد كل .. ديمقراطيتها!
غير أن الأسير الفلسطيني أيا كان اليوم، تلزمه حياة واحدة فقط، لكي
يدخل البلد إلى الخلد
وإلى الأبد:
حياة يستقطع منها وقتا للطفولة
والمراهقة للحب
والزواج
والألم
والشيخوخة
والسجن
والمحاكم
والشهداء
ويستقطع منها عمرا لكي يمتد عمر البلاد في شرط الإنسانية، أملا في عدل لا يفكر فيه أحد…
وعليه أن يعيش بالقرب من الحياة أحيانا، وعلى هامش المؤتمرات الدولية، ويقيم الوطن في جسده
وسط الأشواك والأسلاك الشائكة
إلى أن تعثر الحرية على غصن أو على كرسي في عاصمة من عواصم العالم
لتستريح وتتحدث عن أبنائها،
وعن شعرائها
وعن فلاحيها
وعن زيتونها
وعن لاجئيها..
وعن قسوة الذين سارعوا بالرحيل ولم يتركوا تذكارات على الجدران
أو عناوين على الأظرفة…
في الصمت العالم ثالثي
وفي اختبال الخرائط وسقوطها من المنطق، وانجرافها إلى فوضى الخلق الأمريكي، لا أحد يبدو متذكرا أو في حاجة إلى الذكرى أكثر من الأسير، ليذكرنا ،من بعد، أننا سجناء» المجون الميكانيكي« للاحتلال..
أقصد به ميكانيك النسيان المبرمج بحروب أكبر من بلاد واحدة
مجون يقتضي أن تضيع فيه شعوب بكاملها
لكي ننسى الشعب الأصلي في الألم الشرق أوسطي الأول..
فعل واحد..
قاوم في زمن واحد لتصريف الإرادة في الحاضر: رفض الأسر بتنويم استعماري يجعل الأسلاك دليلا على استقلال القضاء…
ودليلا على نسيان الشعوب المعنية بدعم المقاومة
لأصلها في الحرب التحررية وميلها إلى تسويات مخجلة مع الاحتلال ..
أي بنسيان الأصل في انفجار الشرق
إلى شروقات صغيرة من الأوهام الوطنية…
كل العقائد تنهار ويبقى الأسير وسط الجدران واقفا
تنهار القوميات
والجدليات الطبقية
وتنهار سماء أورشليم فوق رؤوس الأتقياء
وتنهار الليبرالية المتوجة بسرور الهزيمة
تنهار حروب السنة
وتنهي الأسير دليلا على وجود الاحتلال، ويترافع، بجسده وبعزلته ضد الترف الذي تخلقه الأنظمة حول وطن لا يملكه مواطنوه.
عندما دخل مروان البرغوثي، دليلا فرديا على روح الجماعة، كان العراق ما زال عراقا
أو شبه بلد
وكانت ليبيا تحت وابل الجنون تشبه البلد
وكانت سوريا تكاد تكون دمشق الأسيرة في جلبابها الأموي،
ولم تكن شعوب الشرق وشرق الشرق قد أدركت بأنها قابلة للموت بهواء الشارع المحرم
وبالديمقراطية مثل البلهارسيا والتشمع الكبدي وسرطان الدم
وأن الطيور التي غادرت القصائد في شعر درويش ودحبور وسميح القاسم قد ماتت
بأنفلونزا الطيور..
في كل تلفزيونات العالم..
من قدر الأسير أن يقتطع ظلا صغيرا ليبني حدودا دائمة للسلام، بدون أن يخسر الحرب
ومن قدره أن يستقطع من كل الحروب التي تقع في الشرق الأوسط ، وقتا لحربه هو
حرب الحقيقة
وحرب الخارطة
حرب غير دقيقة في اختيار مواعيدها
لأنها حرب الحق الوحيدة!
****
أعطنا عدوا واضحا أيها البلد
كي نحارب من أجلك
ولا تختلط علينا الظلال
أعطنا عدوا نضربه بحجر
يعرف شكل أصابعنا
ويعرف شكل الينابيع
ولا تختلط عليه الجهات..
أعطنا عدوا أيها الأسير
كي نعرف شكل البلاد
وشكل الحجر
فلا يختلط علينا
اسم السلاسل
وشكل الزنازن
وحب الوطن!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 28/04/2017