الأصدقاء المترددون والشركاء الغامضون

خص خطاب الملك، بعض المواقف وبعض الكيانات بأوصاف دقيقة ودالة.. تستحق أن تفرد لها خانة خاصة في تحليل الخطاب وحمولاته الدلالية.
تحدث عن الحلفاء الذين ينتظر منهم المغرب خطوات أكثر جرأة ووضوحا!
وعن الشركاء الغامضين ومزدوجي المواقف.
والخطاب وإن لم يضعهما معا في سلة واحدة من المصلحة الوطنية، فإنه مع ذلك وضعهما في سياق واحد، هو سياق الوضع الجديد في المنطقة.
ففي الشق الأول، وضع مقدمات قبل وضع التوصيف، وهي تعطينا معنى «مَنْ هم» وما يجب أن يقوموا به في مضمار السيادة المغربية على الصحراء.
وهذه المقدمات هي:
* تأمين معبر الكركرات بشكل نهائي، وبقرار أممي عطل كل مطالب الخصوم التقليديين وغير التقليديين للمغرب، والتي لخصوها في ضرورة عودة الوضع إلى ماقبل 13 نونبر، تاريخ تطهير المعبر من المليشيات المسلحة
* الاعتراف الأمريكي بالسيادة وما ترتب عنه من مواقف سيادية للولايات المتحدة، والتذكير بهذا الأمر، فيه تنبيه إلى أن من راهن على تراجع جو بايدن عن قرار سلفه، سرا أو علانية أو عمل من أجل ذلك بضغوط متنوعة وبكل الوسائل، تبين له أن الاعتراف حقيقة سيادية من لدن أمريكا، التي تفاوضت هي نفسها حول القرار 2602. وما كان لأمريكا المعترفة بالسيادة المغربية لتقبل بقرار يقل عن هذا الاعتراف، أو يسير في اتجاهه.
* المقدمة الثالثة، تتعلق بفتح قنصليات العديد من الدول، الشيء الذي أعطى للاعتراف بسيادة المغرب معنى ماديا ومبنى ديبلوماسيا واضحا.
في أول باب، نجد بعض الدول العربية والإسلامية الشقيقة والتي أبانت عن شراسة كبيرة في الدفاع عن سيادة المغرب، بل شاركت فيها منذ المسيرة الخضراء وتتحمل، بأخوية صادقة وشجاعة سياسية قوية، مواقفها النبيلة.
بيْد أنه تلزمها خطوة أخيرة للالتحاق بالجدار الديبلوماسي الذي يقيمه المغرب عبر ديبلوماسية الوحدة والتنمية في الأقاليم الجنوبية..!
كل المقدمات أعلاه، يتبين من شبكة القراءة التي تتيحها، أن بعض الدول مازالت دون الاعتراف الأمريكي بالسيادة بالرغم من أنها تدافع عن مصلحة المغرب في المحافل الدولية، وبالرغم من مساندتها للحكم الذاتي..بالرغم من أن القرار الأممي الأخير قد حررها ربما أكثر.. ومن بين هذه الدول نجد فرنسا التي كانت سباقة إلى الدفاع عن الحكم الذاتي، وهو اعتراف ضمني كبير بالسيادة، ولكنها مازالت دون الاعتراف الواضح والصريح بها، وتلزمها خطوة للقطع مع التردد…
وفرنسا أكبر عنوان للتردد السياسي / كدت أقول التردد السيادي/ في الواقع، وكان أولى بها منذ بداية القضية أن تسارع إلى الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه، لاسيما وأنها كانت الحليف الدائم لنا في الموضوع..
ورئيسها الحالي إيمانويل ماكرون التلميذ النجيب للفيلسوف »بول ريكور«،يعرف جيدا مضامين »فلسفة الإرادة« عند ريكور الذي قال إن التردد هو »خيار يبحث عن نفسه«، والتردد هو مكان اللاقرار!
علاوة على ذلك، فإن فرنسا تكون فاعلا حاسما في مجلس الأمن،فاعلا مناصرا للمبدأ الذي يدفع به المغرب أي الحكم الذاتي، لكن عندما لا يتم الإقرار بها ميدانيا عبر فتح القنصليات هناك.. فإن الفاعل يتحول إلى … متفرج!
فرنسا تعرف جيدا تاريخ »كتابة التاريخ الخاص« بالصحراء والمغرب الكبير، وهي تدرك مدخلات القرار الواجب اتخاذه، والدفع بأوربا نفسها نحو هذا الباب….
والمخاطَب الثاني في خطاب الملك، هي أوربا كلها، من خلال اتحادها، فالمطلوب من القارة الخروج من »منطقة الراحة« الخاصة بها، والانتقال إلى المساهمة في الدينامية الإيجابية الجارية بخصوص الصحراء المغربية. ومنها تلك الدينامية المعبر عنها من طرف40 دولة كانت قد حضرت في المؤتمر الوزاري الذي نظمته الرباط وواشنطن، لدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، عبر تقنية التواصل عن بعد.
الاتحاد الأوربي معني أيضا بالشق الثاني من خطاب الملك، والمتعلق بالشركاء الغامضين ومزدوجي المواقف..
وفي قلب هذا الاتحاد… مدريد عوض باريس !
يتبع