الألوان سلاحك ضد الحرارة
![](https://alittihad.info/wp-content/uploads/2020/04/hamid-jmahri.jpg)
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
كنت أشتبه دوما في الألوان الرمادية والسوداء بأنها تتكتم على أمر سري غير سليم. كنت أشك في الرمادي بأنه يسبب الاختناق…
حتى عندما يكون مرتبطا بالمثقفين، كما حال المثقف الرمادي فهو يخفي نزوعا ما بورجوازيا يحب خنق الآخرين…
وفي الواقع لم أكن أشك في الأسود، بالرغم من كل التفسيرات الفيزيائية التي كان أستاذ الفيزياء في الثانوي يقدمها ليقول لنا إن الأسود هو في المحصلة غياب الألوان، وفضلته كثيرا، حتى اتضح أنه واللون الذي سبقه يزيدان من حرارة الصيف!
هو متهم بأنه وراء معضلة الشعور بالقنط والحرارة، ولم يكن اتهامه بأنه يتسبب بالزيادة في الحرارة قضية سوى قضية مزاج، بدوي، تسببه رياح الشرقي والربط بينه وبين الحزن والآلام…
الشعور بالانقباض من هذه الألوان، إضافة إلى اللون الداكن أيا كان، بات شعور المدن بدورها، وأصبح علميا ويفسر ارتفاع الحرارة فيها …
فقد فرضت مواجهة موجات الحر المتزايدة بوتيرتها وقوتها ومدتها، تحدي إدخال تغييرات في العمق بأسلوب المدن في هذه الحرب، وهو ما يستلزم اعتماد ألوان جديدة للمباني، وفق مهندسين معماريين ومسؤولين محليين فرنسيين.
فالمواد الداكنة والرمادية والسوداء هي أول المواد التي ينبغي الاستغناء عنها بسبب قدرتها الكبيرة على حبس الحرارة، وهذه الألوان موجودة بشكل خاص على الطرق.
وقد تجرأت رئيسة المجلس الوطني للمهندسين المعماريين في فرنسا كريستين لوكونت وجعلت من نفسها ناطقة رسمية باسم العلم والعمران في هذا الباب، وقد أصبحنا نعيد النظر في العلاقة بين الحرارة والألوان ومواد البناء، وقد كشفت لنا أننا كنا نصنع مدنا من أجل السيارات، قائلة: «لقد بنينا مدننا كثيرا من أجل السيارات. اليوم، نستخدم الكثير من الإسفلت والبيتومين اللذين يلتقطان الحرارة ويعملان كمصادر إشعاع حضرية».
وتقول إن الفرق في درجات الحرارة بين وسط المدن وخارجها يمكن أن يصل إلى 6 درجات خلال النهار و12 درجة في الليل، «لأن هذه المواد السوداء تشع لفترة طويلة جدا».
وحسب قصاصة لوكالة فرانس بريس فإن «تقليص المساحة المعطاة للسيارات في المدن يتيح جعل الشوارع أضيق وبالتالي حمايتها أكثر من أشعة الشمس ويستفاد من نفس القصاصة أن» بعض مواقف السيارات الكبيرة، المصطنعة بالكامل وبالتالي شديدة الحرارة، باتت على سبيل المثال في مرمى البلديات التي تدرس إمكان تقليل البيتومين فيها وإضافة الغطاء النباتي.
هذا العمل يقام أيضا في ملاعب المدارس المسماة «واحات»، كما في باريس، حيث يستعاض عن البيتومين بالأرض الترابية، أو في حال تعذر ذلك يعاد طلاؤها بألوان فاتحة أكثر.
وتقول كريستين لوكونت «علينا أن نعمل على أنواع أخرى من المواد ذات كتلة حرارية وتكون لها القدرة على حبس هذه الحرارة لوقت أقل، على سبيل المثال الخرسانة الخفيفة على أجزاء معينة من الطرق أو في الساحات».
في باريس أيضا، أعيد طلاء أسطح صالة للألعاب الرياضية ومركب معرضين بشدة للشمس، بطلاء أبيض خاص يعكس الإشعاع.
الرافعة الرئيسية لإنعاش أي مدينة تكمن في التخضير، من خلال غرس الأشجار التي توفر الظل والنضارة.
وتقول رئيسة بلدية مدينة ستراسبورغ (شرق)، الناشطة البيئية جان بارسيغيان لوكالة فرانس برس «الصيف يؤثر على الأشجار، ويمكن ملاحظة اختلافات تتمثل بتراجع درجات الحرارة بما بين 5 و10 درجات عندما نكون في حديقة أو تحت الأشجار، لذلك هذا ضروري ويجب العمل به على المدى الطويل».
وأطلقت بلدية عاصمة منطقة الألزاس خطة تهدف إلى زراعة 10 آلاف شجرة بحلول عام 2030، وزيادة نسبة الغطاء الحرجي في المدينة بنسبة 26 إلى 30 %.
وتوضح بارسيغيان أن «هذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال وجود أنواع تتكيف مع تغير المناخ»، لذا فإن بعض الأشجار المزروعة لن تستخدم إلا لتحل محل أخرى في نهاية حياتها.
عنصر أساسي آخر لتخفيف الحر في المدينة: الماء.
في مدينة لافال شمال غربي فرنسا، أنشئت خزانات مياه طبيعية للحفاظ على «حدائق الأمطار».
كل ما له علاقة بالماء أصبح منعشا ومثيرا للتفكير، حتى أن المهندس البيئي في معهد «باري ريجيون» إروان كوردو «يقول: عندما تكون هناك فتحات في محيط مصدر مائي، فإنها توفر خدمة انتعاش محلية …
أتشبث فقط بالألوان التي صارت متهمة بالرفع من درجات الحرارة وأصبحت موضوع تفكير عميق من طرف المهندسين المعماريين وخبراء المناخ…
وأتساءل لماذا كان أجدادنا يرددون: لله يخلينا على صباغتنا !
لأن الجو كان باردا… ربما.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/07/2022