الإعلام المغربي: من الانتقال الديمقراطي إلى الانتقال التنموي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ما الذي يمكن أن يقدمه الإعلام، في اللحظة الوطنية الآن، للنموذج التنموي الجديد، ما أدواره وما مسؤولياته؟
للجواب عن السؤال الإشكالي، بادر المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، دعا إليه فاعلون إعلاميون من مستويات مختلفة من أطر متباينة.
قبل انطلاق اللقاء، تصادف أن التقيت بالـ»رفيق» عبد الغفور دهشور، وتبادنا أطراف الحكي في موضوع كهذا.لأ الموضوع يذكرنا بسؤال الإعلام والانتقال الديمقراطي، والذي أخذ حيزا مهما من التفكير في نهاية السبعينيات وفي الثمانينيات من القرن الماضي، ثم عودته المتواترة في كل منعرج، ومنها اللحظة الراهنة.
كان الإعلام، حقا موضوع انتقال، وتيرموميتر لقياس درجة هذا الانتقال، كما كان هو ساحة القوى المتراصة حوله، وموضوعه، أي الانتقال الإعلامي داخل الانتقال الديمقراطي..
في هذه اللحظة، لا يمكن أن نخفي، أن مساهمة وأدوار الإعلام المغربي في بلورة النموذج التنموي الجديد، لا تخرج كثيرا عن الرقعة المرسومة عموما، مع اختلاف في الموضوع وفي درجة التأثير والتأثر..
فالمفروض في الإعلام، أن يشكل ساحة اموضوعية لمناقشة كل ما يمكن أن يناقش، ونقل كافة الأفكار، والتمييز فيها بين ما هو أساسي، وما هو »إثارة» قد تكون إيجابية، لكنها تخفي التناقضات والتباينات العميقة بين مشاريع معروضة كأجوبة عن النموذج التنموي الجديد.
كما أن الإعلام هو بدوره قطب الرحى في نموذج تنموي استنفد مهامه بل وأصبح عليه أن يختفي لظهور نموذج جديد..
كيف نجعل من النموذج الجديد في الإعلام نموذجا من بين نماذج أخرى تساعد على النموذج العام؟وإذا كان الاقتصاد قائما على الاستهلاك، كيف يمكن لمجتمع لا يستهلك الكتب والجرائد والإعلام عموما، أن يقنع** بأنه معني بالإعلام؟…
لا يقوم الإعلام، إذا قدر له أن يدخل غمار مشروع كبير، بدون وسائل أخرى لا تقل قوة عنه، منها قضاء مستقل، وحكومة ناجعة، وبرلمان في مستوى النقاش الحيوي في البلاد حول هذا النموذج، فلكي يصبح قادرا على تغيير المعادلات والذهنيات، لا بد له من المعلومات!
هناك قرابة تاريخية، وانطولوجية بين الإعلام والانتقال الديمقراطي والإعلام والانتقال التنموي من نموذج إلى آخر، لعل الفارق بينهما يكمن في القدرة على تحريك الفاعلين في الاتجاه الصحيح.
توجد أدوار الإعلام في تقاطع ثلاثة فضاءات ، على الأقل، للتفكير في النموذج التنموي الجديد:
أولها الجهوية المتقدمة، والسؤال الذي نطرحه هو: ما الذي يمكن أن تقدم هذه الفرصة التاريخية في تدبير التراب الوطني للإعلام لكي يصبح إعلاما جهويا قويا، وما الذي يمكن أن يقدمه هو للجهوية، لا سيما وأن القانون المنظم لها، يضع من الإجباري تأسيس إذاعات جهوية، كمثال لا الحصر.
هناك الإعلام واللاتمركز الإداري، ولا بد من طرح السؤال نفسه،ومع اعتبار أن محاولات كثيرة لحد الساعة لم تكسر مركزية السلطة السياسية والإدارية، فكيف سنيجح ذلك لكي يكون مدعوما بالإعلام.
هناك النموذج الضريبي الجديد، والذي يطرح بالفعل تقوية نسيجه بالموارد البشرية والمادية، ولكن قبل كل شيء بالمعلومات وسريان المعلومات وتطورها، وهل يمكن اليوم أن نتحدث عن شفافية نموذج تنموي جديد بدون أن يكون الإعلام قادرا على الوصول إلى معلومات التهرب الضريبي والفساد والريع في هذا الجانب والذي يحرم التفكير الاقتصادي السليم من كل أسباب النزول إلى الواقع..
طبعا في صلب النموذج، هناك العدالة المجالية والاجتماعية، لعل من المفيد العودة لأدائنا كإعلاميين في هذا الباب..
وقبل هذا وذاك، هل يستطيع الإعلام، لاسيما الورقي منه، أن يدعي قدرته على تغيير الأمور، في الوقت الذي يبدو فيه مثل فارس لاروست في القرون الوسطى، الذي واصل المعركة.. وهو لا يدري بأنه قد قُتِل!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/11/2019