الاتحاد الأوربي، جعجعة البوليساريو وطحين الريح!
عبد الحميد جماهري
من يقرأ تصريحات قادة البوليساريو، لا سيما منهم بشير بشرايا والصحافة الجزائرية ويوم أمس واليوم، يكاد يخيل له أن «الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية العظمى» أصبحت عضوا في الاتحاد الأوروبي. وأن جوزيب بوريل، فقد الذاكرة وتحول الى المرشد العقائدي للغالي إبراهيم ابن بطوش.. فقد سارعت إذاعة الجزائر إلى نقل رد فعل قيادة البوليساريو السريع، بدعوة الاتحاد الأوربي إلى اتخاذ إجراءات سريعة لتصفية الاستعمار، كما لو أن لسان الهزل يقول ( زربوا قبل ما يندم بوريل على كلامه ويتراجع عليه) وأضافت الى كلام بوريل قوله إن الشعب الصحراوي الوحيد الذي يحق له تقرير مصيره!
ولست أدري هل هي هلوسات سمعية أم متمنيات تحولت الى حقائق سياسية، جعلت بشير بشرايا ينتظر من الاتحاد الأوربي»أن يحول هذا التصريح إلى أرض الواقع ويتخذ منه سياسة حقيقية واضحة المعالم. أما «الشروق أونلاين» فقد ضربت الأخماس في الأسداس ورأت في قولة بوريل، ردا على خطاب ملك المغرب، وهو نفس المنحى الذي سارت عليه صحيفة المستقل الشاب(جون أندبندنت)!
وليس أقل من ذلك.. أما «المسار العربي» فقد اعتبرت أن بوريل يرى بأن الموقف الإسباني كان ولا يزال هو دعم الدفاع عن تقرير مصير الشعب الصحراوي!
لا حول ولا قوة إلا بالله…
ولولا اعتيادنا على الأكاذيب من طرف البوليساريو، لكنا قد أصبنا بصدمة حضارية كبيرة من جراء التحول الانقلابي في موقف الاتحاد الاوروبي من قضية وحدة المغرب الترابية…والحال أن للاتحاد الأوربي مؤسساته وله تاريخ في المواقف، وليس لبوريل إن تناقض وتلعثم في سؤال عابر (انظر عدد الاتحاد الاشتراكي ليوم أمس ،) أن يعاكسها ولو كان في كلامه الكثير من المجازفة، من قبيل محاولة تأويل الموقف الإسباني أو الخلط بين مواقف الاتحاد، وربما مواقفه الشخصية..
والخلط بين تقرير المصير كمبدأ عام، وطريقة تنفيذه التي تتراوح بين الاستفتاء وقد صار في حكم الميت، والحكم الذاتي المتوافق حوله وهو المطروح دوليا..
الحقيقة أن الاتحاد الأوربي منتظر منه منه خطوة حاسمة تسير مع أعظم الدول القوية والمؤثرة فيه، ومنها ألمانيا وإسبانيا وهولندا .. وفرنسا ذاتها في الموقف من الحكم الذاتي..
منذ خمسة أشهر بالتمام والكمال، كان العبد الفقير لرحمة ربه قد كتب في موضوع الاتحاد الأوربي ونحن من زاوية أنه لم يعد هناك أي شيء يمكنه أن يمنع اتحاد أوربا من القيام بالخطوة الحاسمة..
فقد سجلنا أن الاتحاد الأوروبي، تقدم في الفترة ما بين تاريخ 16 فبراير 2022و تاريخ 22 مارس2022 ، بخطوات كبيرة للغاية في قضية المغرب الترابية، لكنه ما زال دون الخطوة الحاسمة!
1 ـ التاريخ الأول يوافق خروج المتحدث باسم الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي بيتر ستانو، عشية القمة الأوروبية – الإفريقية ببروكسيل، يومي 17 و18 من نفس الشهر. وفيه كان الرد على أن حضور ممثل الدولة الوهمية وزعيم البوليساريو في القمة، حرفيا، «لا يغير موقف الاتحاد الأوروبي كما لم تعترف أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بتلك الجمهورية.»..
وقتها كانت الآلة الدعائية تحاول تقديم حضور «زعيم البوليساريو»، كما لو أنه اعتراف بوجود الجمهورية وتأكيد لشرعية تواجدها في محفل قاري ثنائي، بالرغم من العزلة القاتلة التي كان من المفروض أن تُشْعر حاضنتَه الجزائر بما ينتظرهما من غربة في ما بعد القمة…
نفس الموقف، من منبر مؤسساتي أكبر وأكثر دلالة هو رئاسة الديبلوماسية الأوروبية الاتحادية، تكرر على لسان «جوزيب بوريل» في 7 مارس، حيث عبَّر بواضح العبارة عن الموقف نفسه وقال» لا تعترف أي دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالجمهورية الصحراوية، والمشاركة في القمة لا تغير في شيء موقف الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء».
الاستنتاج المنطقي:إن الاتحاد الأوروبي، الذي لا تعترف أي دولة فيه بجمهورية الوهم، حصان طروادة الجزائر، لا بد أن يذهب بمنطقه إلى منتهاه ويدعم الخيار الذي لا يأخذ هذه الجمهورية بعين الاعتبار، ويتجاوز التوازن الوهمي بين الوهم الذي تمثله الجمهورية، والحقيقة التي تمثل الواقع الحي في الصحراء اليوم..
2 ـ التاريخ الثاني كان تاريخ دعم إسبانيا، وتم التعبير عنه في 22 مارس الجاري.. والأكثر دلالة فيه أنه جاء عطفا على القرار الإسباني.
ومضمونه ورد في ترحيب المفوضية الأوروبية بموقف إسبانيا الجديد بخصوص مصير الصحراء المغربية ودعم مخطط الحكم الذاتي واعتباره الأساس الأكثر مصداقية وجدية للحل..
وكانت الرئيسة أورسولا فون دير لايين قد زارت المغرب، ونجحت زيارتها بشكل تم فيه الحديث عن الذهاب بعيدا في التعاون الاستراتيجي الكبير مع الاتحاد الأوروبي.
وهو ما جعلنا نستخلص وقتها بأن الاتحاد الأوروبي لم يعد ضمن دائرة الشركاء الماديين، الذين يغْنَمون من المغرب ويتلعْثمون في قضيته…
نبيلة مصرالي، المتحدثة باسم مسؤول السياسة قالت في دعم الموقف الإسباني إن : «الاتحاد الأوروبي يرحب بأي تطور إيجابي في العلاقات الثنائية بين دوله الأعضاء والمغرب».
ومن المفيد التذكير بأن المناخ الذي دخلته العلاقة الثنائية بين التكتل الأوروبي والمغرب قد ساعد على ترتيب أجندات ناجعة في الخروج من جزء من التباس المعارك السابقة التي كان جزءًا منها، ولعل أهمها، الأزمة مع إسبانيا، والموقف الداعم لمدريد، بمستويات مختلفة من طرف بعض من مؤسسات هذا الاتحاد، ولا سيما البرلمان…
كما سيكون من المفيد التذكير بأن دولتين من الدول الأوروبية المهمة، هما ألمانيا الاقتصاد الأقوى في الاتحاد، وفرنسا، التي ترأسه، قد قطعتا الخطوة الضرورية والحاسمة في دعم الحكم الذاتي، وهو ما يعطي للتحالف الأوروبي قوة ومبررات أكبر في القيام بنفس الخطوة…
ومن الواضح كذلك أن “المنطق” الذي اعتمده إلى حد الساعة، هو ضمن مزاج يسير نحو الدعم الكامل لما يطرحه المغرب…
ولهذا، في الضفة الجنوبية من المتوسط، يستوجب موقع الاتحاد الأوروبي، وموقفه من مجريات قضية الصحراء، الانتباه الهادئ والمستمر ….انتباهٌ بمثابة أفق انتظار، وطني، مشروع من أن يسهم بشكل حاسم في الحل أيضا…
وليس عيبا أن يطالب الرأي العام الوطني الاتحاد الأوروبي بالخروج من منطق “الكيل بمكيالين”، في الدفاع عن وحدة بلدانه وسيادتها على أراضيها، والامتحان الذي يجري أمامنا في سياسة الواقع هو أوكرانيا، التي ليست عضوا فيه وبالكاد قدمت طلب الانضمام في 28 فبراير،والمغرب له وضع أكثر تقدما منها!
لم يغب عنا أن الرأي العام المغربي لم يهضم أن تضعنا إكراهات البروتوكولات الشكلية على نفس المستوى من الحضور إلى القمة الأوروـإفريقية مع كيان وهمي “لا دولة ولاشعب ولاتراب”.
من المحقق أن الاتحاد الأوروبي أصدر موقفا واضحا لا يفتح الباب لأي تأويل، وبين هذا الموقف وموقف مساندة إسبانيا، خطوة لا يمكن نكرانها، ذلك أن مساندة إسبانيا في موقفها، هي تعبير عن منح مظلة سياسية أوروبية لمدريد في هذا الموقف، ومعناه إلى حد الساعة أن أوروبا الـ27 تساند إسبانيا في اختيارها العقلاني والمنصف والاستراتيجي، ويجب أن ترقى المساندة إلى أن يصبح الموقف هو موقفه نفسه…
وهذا عمل كبير يتطلب مجهودات ألمانيا وفرنسا وإسبانيا مجتمعة.
الاتحاد الأوروبي، اليوم، له فرصة انتعاش تاريخية، مع الوحدة التي تحققت في الحرب الروسية الأوكرانية والتموقع مجددا إلى جانب حلف «الناتو» كقوة لا بد منها في قرارات الحرب والسلم، الناتو الذي تقوده أمريكا، هي التي حرصت في نفس الوقت على مباركة وتزكية الخطوة، عبر وزارة الخارجية وعبر السفارة الأمريكية في مدريد…
لقد ظلت مدريد قبلة للمواقف المناهضة، وتحولت إلى ما يشبه الحاضنة لكل ما يتعلق بالقضايا الجنوبية للمغرب.
وهذا التحول الحاصل راهنا لا بد له من سند ودعم أوروبي: حدث ذلك في مرحلة الانتقال الديموقراطي عبر دعم إسبانيا الجديدة وتقوية نسيجها الاقتصادي والعمراني والبنيات التحتية…إلخ.
ولا بد من مساندة الانتقال الجيوـ ستراتيجي لإسبانيا والمساندة الأوروبية درع قوي في هذا الباب…
وقد ظلت إسبانيا المختبر الأوروبي، و«مجلس التشاور» الجيوسياسي لأوروبا، في قضايا الصحراء والعلاقات الأورومتوسطية،لاعتبارات عديدة ومتشابكة، ولا يمكنها أن تُتْرك وحيدة سياسيا في فترة التغيرات الكبرى في غرب المتوسط!
مرارا ساند الاتحاد الأوروبي، بمستويات مختلفة، عبر البرلمان الأوروبي، الذي يشكل فسيفساء سياسية وإيديولوجية وغيرها، إسبانيا في النزاعات التي واجهت فيها المغرب، ولا بد له من أنْ« يدير » الجدارَ الأوروبي الكبير لفائدة تحصينها من تقلبات المنطقة..والارتقاء بالشراكة إلى أفق استراتيجي، لا يمكن تصوره بدون الإقرار بالسيادة المغربية. ..
والخلاصة، هي :
إن أدبيات وبلاغات التكتل الأوروبي تعيد وتشدد على أن:
– الاتحاد الأوروبي يدعم بقوة جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي ستافان دي ميستورا….
مثل المغرب تماما!
– الاتحاد الأوروبي يدعم بقوة مواصلة العملية السياسية …مثل المغرب تماما!
– الاتحاد الأوروبي يدعم بقوة حلا سياسيا عادلا، واقعيا، براغماتيا، مستداما…. مثل المغرب تماما!
الاتحاد الأوروبي يدعم بقوة قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لاسيما القرار 2602 المؤرخ بـ 29 أكتوبر 2021». مثل المغرب تماما..!
فلماذا لا نتطلع إلى اتحاد أوروبي يدعم بقوة.. الحكم الذاتي؟
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 26/08/2022