الاتحاد والعشرون سنة من حكم محمد السادس -1-
عبد الحميد جماهري
الأحزاب التي تقود مراحل الانتقال، أيا كان هذا الانتقال في بلدانها، تتحول إلى ثابت بنيوي من ثوابت المجتمع السياسي، لهذا من يريد أن يفهم حضورها، يجب أن يبتعد عن أي تفسير سحري للتاريخ أو بوليسي للسياسية…
وقد كان الاتحاد، القوة السياسية التي فتحت باب المصالحة الواسعة، عندما قرر، في 1996 أن يصوت بالايجاب على الدستور المعروض وقتها للتصويت…
فكانت المصالحة وقتها ذات طبيعة دستورية، أذنت بصفحة جديدة في تاريخ المغرب.
تلته تعاقدات سياسية حول الخروج من قلق المجهول، الذي رافق عادة تغير عهد بعهد، لا سيما عندما يكون العهد الذي انقضى، عهدا فريدا، في قوته، مستبدا بحضوره، يرمي بظله على كل مناحي الحياة الوطنية، كما كان عهد الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني…
تبادل المصالحة، بين الاتحاد والمرحوم الحسن الثاني، تمثل في إعلان الاتحاد عن نعم للدستور، مقابل إصلاح دستوري ونقد ذاتي، كان في حكم المستحيلات من لدن ملك قوي وفي عز سطوته، بإعلان السكتة القلبية…
بعدها، صارت المصالحات الكبرى (راجع خطاب العرش لهذه السنة) قاعدة أساسية في العهد الجديد، وصار النقد الذاتي بحكم المنطوق الملكي « نعتبر أن النقد الذاتي فضيلة وظاهرة صحية، كلما اقترن القول بالفعل وبالإصلاح». (خطاب العرش في السنة الماضية)، سلوكا مطلوبا و من طرف الملك نفسه في الحياة الوطنية..
وقت تأسيس المصالحات ومنطقها الذي دفع به الملك إلى رتبة القاعدة الحضارية، وبناء الشروط للتبيئة الشاملة لمنطق الإصلاح، سواء في نهاية العهد السابق،أو في بداية العهد الجديد، لم تكن كل الأطياف السياسية ولا سيما اليسارية منها تقرأ بعين المستقبل خطوات الاتحاد، ولا بأس من التذكير، بمواقف سابقة كانت تريد من الاتحاد أن يحلق أعلى من سماء المرحلة، وأخرى تطالبه بأن يترك النظام يقابل المجهول وثالثة تريد منه أن يغتنم الفرصة، ويروض موازين القوة لتميل لصالحه، نظرا لانتقالية المرحلة، أو لما تم الإيمان به بأنه ضعف في النظام!!!!!!
الاتحاد عانى من على يساره من تلك النزعات، وإن ناقشها بقوة الحجة وببراغماتيات التاريخ،
وقتها رفعنا شعارا واضحا «قد يبدأ التاريخ بالراديكالية، لكنه لا يستمر إلا بالاعتدال»، في إشارة إلى جذرية التحول في مسار قوة إصلاحية، ذات وظيفة تاريخية ونفَس اجتماعي..
وقلنا مع هيجل، إن التاريخ أحيانا يتطور من أسوأ شيء فيه، وكان الجزء الأسوأ في تقديرنا هو الدولة المتقوقعة على تقليدانيتها السلطوية..
اختار الاتحاد مهمته الوطنية بلا لف ولا دوران ا ولا تدوير إيديولوجي غامض.
اختار بناء الثقة وإعطاء التاريخ فرصته لكي يسير نحو الإصلاح.
اختار العمل من أجل تعاقده التاريخي الذي ربط قادته وملوك المغرب من أجل الاستقلال والوحدة الوطنية والإصلاح…
وقد دخل الاتحاد تجربة حولته هو أولا، وحولت تاريخ المغرب الحديث ثانيا، وقاد حكومة التناوب في شخص كاتبه الأول وزعيمه التاريخي الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي..
(يتبع)
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 06/08/2019