الاستثمار بين خطاب الملك وسلوك البرلمان!

عبد الحميد جماهري

لم يعد استثناء أن المؤسسة الأولى التي تعطل الحماس، الذي تطلقه الخطب الملكية… هي البرلمان!
وقد كان كافيا أن يجد البرلمانيون أن عليهم مناقشة القانون الإطار المتعلق بالاستثمار، ليغتنموها فرصة من أجل… الغياب.
يوم الثلاثاء الماضي، أي بعد افتتاح الملك للدورة الحالية للبرلمان، بأقل من أسبوع، حضر قرابة 160 برلمانيا جلسة مناقشة مشروع قانون بمثابة ميثاق الاستثمار، وهي مناسبة لم تحن منذ ربع قرن مضى، في حين غاب ما يفوق الضعف عن الجلسة.
الذين لمعوا من البرلمانيين بغيابهم، كانوا يدركون معنى خطاب الملك وإلحاحه على تجويد مناخ الأعمال، لكنهم اعتبروا أن الغياب أفضل بكثير من المساهمة في تفعيل ما جاء في المنطوق الملكي.
مشروع الميثاق الجديد للاستثمار عرف جمودا طاله طوال عقد من الزمن، وجربت فيه الحكومات السابقة والهيئات المعنية العديد من الوصفات بلغت، بلسان الوزير المكلف، أكثر من 65 وصفة ! وراء هذه التفاصيل، جهل مؤسساتي كبير!
ووراءها أيضا حالة ترهل سياسي لنخبة حزبية وسياسية، لم يعد من المقبول السكوت عن اختلالاتها، لأنها ذات انعكاس كبير على حال الأمة وثروة الأمة وديمقراطية الأمة.
نحن نعيش السنة الأولى من تنزيل النموذج التنموي، الذي أعاد ترتيب أولويات المغرب، دولة ومجتمعا، وكان الأحرى أن تتمثل الطبقة السياسية من خلال أحد فضاءاتها المركزية في الديمقراطية، وهي البرلمان، هذا المشروع، لا في جانبه المسطري، بل في جوانبه الأخرى أيضا التي لا تقل قوة ومركزية.
إذا كان التصويت، هو القاعدة في بناء هذه التمثيلية الديمقراطية وقد حصل النواب على شرعيتهم بخصوصه، فإنه لا يستقيم في الثقافة الديمقراطية بدون حوار وفكر نقدي وجدالات ومناقشات تروم تجويد النصوص الأساسية.
لقد اعتبر 3/2 البرلمانيين والبرلمانيات أن موضوعا مثل الاستثمار، (خلق الثروة الوطنية والرفع من تنافسية النسيج الإنتاجي الوطني)، لا يستحق النقاش ولا التصويت!
ورأى هؤلاء أن الأمر أقل بكثير من رحلة استجمام أو انصراف إلى استثمار شخص للعلاقات البرلمانية أو حتى جلسة على قارعة المقهى!
الأمر يتجاوز المعادلة الحسابية (حضور/غياب)، الأمر له علاقة بالجدوى الديموقراطية (faisabilit’ d’mocratique)، والصورة التي تقدمها المؤسسة المركزية فيها.
من الواضح أن 159 الذين صوتوا لفائدة المشروع، ليسوا كلهم من الأغلبية، وهو ما يدعونا فعلا إلى رسم حدود المفارقة: مشروع يحظى بتوافق واسع، لأنه في جوهره يمثل إرادة ملكية إصلاحية، يحصل بالكاد على اهتمام ثلث المؤسسة.
المعارضة، يكون تصويتها التوافقي محكوما بالاعتبار السياسي، أما الأغلبية فقد كانت أمامها فرصة لتثبت أنها تعبئ آلتها لإرسال إشارة عن تعبئتها واحتضانها للمشروع!
الاستثمار، بما هو ركيزة لبناء القوة الناعمة للبلاد وتوسيع إشعاعها في زمن يتسارع فيه التاريخ على قاعدة المصطلح الاقتصادي، وفي قلبه الاستثمار، له وزن استراتيجي: داخليا، لتوفير التغطية المالية للدولة الاجتماعية، وضمان التوزيع العادل للثروة بدون مماحكات اجتماعية. وخارجيا، لضمان منافسة المغرب في العالم اليومي، وفي دائرته القارية، التي يعاد تشكيلها انطلاقا من حسابات القوة العظمى أو القوة الصاعدة…إلخ….
بالنسبة للأغلبية، الغياب، ليس خطيئة ديمقراطية وعيبا مؤسساتيا فقط، بل هو إضاءة لجانب آخر يتعلق بطبيعة الاستثمار الذي يحظى بأولوية عند جزء منهم وهم «مقاولون سياسيون»، دخلوا القبة بقوة الاستثمار المالي إياه، ولعلهم سجنوا ذواتهم في برج الربح المادي والمالي، بدون خدمة هدف أسمى!
هي معضلة: البرلمان أبرد مؤسسة في سلسلة الموارد الديمقراطية المؤسساتية، وهي تجر التعبئة الوطنية نحو الأسفل وتكتفي بالتسجيل ورجع الصدى…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 20/10/2022