الاغتصاب الجماعي لطفلة 12 سنة وروح المدونة..

عبد الحميد جماهري
لاشيء يدل على ما إذا كان القاضي (وليس القضاء) الذي أصدر الحكم بالسجن المتدني في سنتين على المغتصبين الجماعيين لطفلة ذات 12 ربيعا، قد قرأ
أم لا الخطاب الملكي الخاص بحماية القاصرات، في حدود
الاستثناء القانوني، وتحت مظلة التأويل القاصر عن روح المدونة، ولكن الذي يبدو جليا هو أن هذا القاضي لم يتشرب المعنى الأسمى في ضرورة حماية جسد القاصرة ولوكان باسم القانون المستثنى، أو كان باسم السوسيولوجيا الآكلة للحم اليافعات.
والخلاصة أن القضية التي تنادت إليها كل القوى الحية، وصارت موضوع التفاف وطني، أحالتنا على روح القوانين، سواء عندما تَنفُذْ أو عندما لا تنفذ…
وفي المأساة التي نحن بصددها كل ما يستطيع الرعب المستتر أن يجمعه من مظاهر القسوة والسفور القاسي: صبية ، فقيرة ابنة فقير ، أبوها راع غنم وأمها خادمة بيوت، تجد نفسها في تلاقي طرقات الجنون الجماعي، والتأويل المتساهل للقانون، ولتنتهي أصغر أم، بحمل في بطنها، بسبب قسيمة جهل مشترك وقسيمة عنف متفق عليها بين ثلاث أشخاص!
إذا كان الاغتصاب، أقصى حالات العنف الجسدي، المركون بين الحيوانية والشعور بالقوة، والمتلفع بدرجة انحطاط غير رسمية في المجتمع، فهو يزداد أكثر جرما عندما يتلفَّع بالقضاء في مساطره المفروض حمايتها للضحايا.
بدا الحكم كما لو أنه دليل على قوة التأويل الخاطئ للقوة القانونية لفائدة المذنبين، وضد المرأة، التي لايجد بعضنا غضاضة في إحياء تاريخ مهانتها!
ذاك الذي لا يراد له أن ينتهي..
لا شأن للمدونة بشكل مباشر بما حدث، ولا شك فكل شيء تم باسم الجريمة، لا باسم الزواج، ولكن مع ذلك يبدو أن جزءا من القضية يجعل القاضي من ضمن أولئك الذين يغذون أسبابا «سوسيولوجية متعددة» لا تجعل روح المدونة تسري في المجتمع باصدار أحكام لتأبيد دونية الضحايا، أكان ذلك بعقد قران أو باغتصاب جماعي.. ويجعل القاضي أيضا من ضمن فئة من الموظفين ورجال العدالة الذين مازالوا يعتقدون أن روح هذه المدونة لا يجب أن تسري على كيان المرأة في كل مناحي الحياة..
لم تكتسب المدونة روحها وصفتها الأسرية كما هي في القضية المعروضة على الضمير الوطني الجمعي، أي تلك التي تهم الفتاة الصغيرة ووالدها ووالدتها وأسرتها جمعاء عندما يقعون في فخ الهشاشة، ويصبحون عرضة لتأويل الرؤى..
ما تقوم به المنظمات المدنية يستوقفنا بالفعل، فالموضوع صار جبهة للمنظمات النسائية بهذا المعنى الواسع الذي يتجاوز الظلم الفردي، إلى العجز عن فهم روح المدونة وما جاءت به من معان جديدة في الوقائع المتعلقة بالأسرة . فالكل معني، كما أن الحركة الحالية (عرائض وبيانات) تدعو إلى رباط حقوقي وتشريعي (إذن سياسي) جديد. إنه رابط ـ رباط يجب أن يقوم على خلخلة النظام التقليدي في ما يخص المسؤولية، ونقصد به عدم التسليم بالرؤى الرجعية في حماية المرأة والمغاربة في وضعية هشة.. ولعله يذكرنا بما حدث عند العفو عن الإسباني دانييل في قضية الاغتصاب» بيدوفيليا».
المطلوب ليس أقل من التراجع عن الحكم في قضية الاغتصاب» البيدوفيليا « الحالية، لأنها تعتبر في المخيال الكوني العالمي العنوان الأبرز على البشاعة..
إن المطلوب ليس، فقط شعور القاضي بالذنب أو تثبيت المسؤولية في فهم مقاصد المدونة ومنها حماية القاصرات، داخل الدائرة الشرعية أو داخل الدائرة الجنائية، بل المطلوب هو رفع سقف الشعور بالأمان وحمايته عبر الأحكام الصادرة عن القضاة…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 05/04/2023