التصويت على ميزانية الدفاع الأمريكي، في فهم الانتصار المغربي!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
فشلت ضغوطات اللوبي المناهض للمغرب في الكونغريس ومجلس النواب الأمريكي في المس بالتعاون المغربي الأمريكي أثناء التصويت على ميزانية 2023.
ونالت ميزانية الدفاع، التي تعد الأكبر عالميا بقيمة تفوق 770 مليار دولار، تصويت الغرفتين الأمريكيتين بفارق مريح، ولم يقع أي تقليص في الميزانية المتعلقة بالتعاون الأمريكي المغربي في مجال الأمن والدفاع.
وكان العضو المعروف السيناتور جيم إينهوف رئيس لجنة الدفاع سابقا، قد بذل مجهودات عديدة من أجل التقليص من ميزانية التعاون مع المغرب، كما اقترح أن يتم استبعاد مناورات الأسد الإفريقي، التي يرأسها المغرب وأمريكا، إلى جانب العديد من الدول الإفريقية، عن بلادنا…
الصحراء، بطبيعة الحال، توجد في قلب هذا التعاون المحارب من طرف الجيران وامتداداتهم الأمريكية في مراكز صناعة القرار..
وقد وقع الرئيس الأمريكي على قانون المالية، باعتباره قد استنفد المساطر المعمول بها في واشنطن، وكان توقيعا أيضا على قتل محاولات اللاعبين المناهضين للبلاد…
وقد كانوا قد تربصوا بالمغرب طوال السنتين الماضيتين، بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، والتي غيرت من معايير الحل وقلبت موازين كثيرة في المنطقة.. ويجب التشديد هنا على أن النجاح المغربي قد زاد من سعار الهجوم عليه، ونذكر أن السيناتور السابق ذكره سعى، إلى جانب أسماء أخرى تدور في فلكه من قبيل المبعوثين الخاصين أمثال جيمس بيكر وكريستوفر روس، إلى ثني إدارة بايدن عن هذا الاعتراف.
في المقابل سعت الإدارة الجديدة إلى الرفع من وتيرة التعاون، وهو ما يبينه التصويت على الميزانية وما تتضمنه من تنسيق مع المغرب… بل أصبح من صميم النجاح الديبلوماسي المغربي أنه يعزز نجاعة نظام التعاون الاستراتيجي بين بلادنا والأمريكان..
نحن أمام براديغم جديد يجعل التوجه نحو المغرب يتكرس ويتشدد ويتقوى.. ويعلن عن توجه استراتيجي وليس ديبلوماسية مزاجية تتغير حسب الظروف.
نشير في السياق ذاته إلى أن التصويت على الميزانية العسكرية للبنتاغون لا يقف عند الجانب التقني، بل يتعداه إلى تحديد التهديدات التي تمس المصالح القومية لواشنطن ولحلفائها، وعلى أساسها تحدد درجة تنسيقها في المناطق الصعبة من العالم، كما في الشرق الأوسط أو آسيا أو في القارة السمراء.
والجديد ربما هذه السنة أن اللوبي المناهض للمغرب لم ينجح في وضع أي ترتيب يفرض التزاما ما للمغرب إزاء الأمريكان كما حصل في السنة الماضية، إذ أن التصويت في السنة الماضية تم ربطه بضرورة القيام بالتفاوض مع البوليزاريو، حيث أدخِل تعديل يشترط هذا التفاوض من أجل دعم التعاون المشترك، وبالرغم من أن العملية لم يكتب لها أي مستقبل بفعل الامتياز التشريعي لوزارة الخارجية في إبطاله، فإنه مع ذلك أعطى صورة عن قدرة اللوبي، وعلى رأسه انهوف المذكور أعلاه على المناورة…
ثم فقد تعزز التعاون في الجانب الأمني، ويكفي التذكير بما تميزت به السنة التي نودعها، حيث أجرى المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبد اللطيف حموشي زيارة عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال يومي 13 و14 يونيو الماضي، وذلك على رأس وفد أمني هام جدا.
المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عقد خلال هذه الزيارة جلسات عمل ومباحثات مع كل من أفريل هاينز مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية، ومع مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، وتمحور العمل على ما هو ضمن مهام الموازنة الجديدة، أي تطوير منظور مشترك وجماعي قادر على تحقيق الأمن وإرساء الاستقرار الدوليين.
يتضح أن التصويت أعطى للمغرب مرتبة متقدمة في التعاون الأمني والعسكري، سواء في الأسد الإفريقي باعتباره أكبر مناورة عسكرية خارج التراب الأمريكي أو على مستوى تطوير التنسيق الأمني، والذي يعرف دينامية خاصة من خلال التحالف الدولي ضد داعش الذي يحوز فيه المغرب دورا مهما وسبق أن احتضن بلدنا قمته الدولية، لأول مرة فوق تراب إفريقي
وباستحضار الخلفية التاريخية لا يمكن أن نغفل مقدمات هذه التحولات ومنعرجاتها…
تاريخ العلاقة لا يمكن اختزاله في الاعتراف المغربي بالدولة الجديدة سنة 1777، كأول بلد له حضور إمبراطوري دولي أيام محمد الثالث الذي اعترف بالجمهورية الفتية… ولعل اتفاقية التعاون التي عمرها أزيد من قرنين هي الاتفاقية الأمريكية الأطول عمرا في تاريخ البلاد.
بل عرفت العلاقات تحولات عديدة كانت بدايتها مع اللقاء الذي جمع محمد الخامس والرئيس روزفلت في لقاء انفا 1945، في غضون الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من الطابع الاقتصادي الذي هيمن على علاقات البلدين فقد بدأت تحولات البراديغم المشترك مع الحرب الباردة نظرا لأهمية الموقع الجيواستراتيجي للمغرب ثم لأدواره الدولية.. كما عرفت العلاقة مراحل للتوتر في بداية الاستقلال (التفاوض على القواعد العسكرية وتوقيع انسحابها في 1963) وفي فترة القلاقل السياسية مع انقلابات 1971 و1972 إلى حدود 1974..
وسرعان ما توطد التعاون العسكري من بعد، مع حكومات كارتر وريغان…
في الواقع كان تغيير الولايات المتحدة في تعاونها مع المغرب يقابله تحول آخر إزاء فرنسا، التي ظلت العلاقة معها تلعب ضد تطوير علاقة المغرب وأمريكا، (في فترة الحماية وبالرغم من تأخر الاعتراف بها إلى 1917) فقد ظلت العلاقات مع فرنسا ذات أولوية. وكانت واشنطن لا ترغب في تجاوز حليف كبير مثل فرنسا طوال 150 سنة تقريبا من عمر الاتفاق مع المغرب!
التحول الحالي ، في سياق تعزيز التعاون لا شك أنه يغضب فرنسا أيضا لأن المغرب نجح في تغيير الموقف الامريكي في الاختيار بين باريس والرباط ( الركود المزمن مع المغرب طوال قرن ونصف ) لفائدته بدون المرور عبر باريس..
السنوات التي توالت لم تسنح الفرصة لأمريكا للضغط على فرنسا الاستعمارية… نظرا لضرورة وجودها في الحلف الأطلسي. اليوم اصبح للمغرب حضور في الحلف الأطلسي وله حضور في الأجندة الامريكية لا يلقى حماسا فرنسيا. وقد يسلط الضوء علي التردد والالتباس الفرنسيين في قضية وحدة المغرب.
وهنا نقدر حق قدرها موضوعة التعاون العسكري الذي اتخذ صيغة متطورة وأكثر تقدما مع المغرب ….
وإذا كانت هناك من ثوابت فهو التقارب في معالجة قضايا دولية وقارية: المغرب، حرص على تطوير علاقاته في إفريقيا وجعل قضية الاستقرار ( إضافة إلى الإصلاحات الديموقراطية ) نقطة دائمة في جدول أعماله اقليميا، كما أن عمله المتفرد في قضايا الشرق الأوسط قد تقدم عما كانت عليه سابقا، وعلى عكس الفترة التي كان المغرب يرسل قواته (كما في شابا الزايير ضد الوحدات الماركسية في انغولا ) أصبح المغرب عنصرا في قوات حفظ السلام وفي التنمية عبر تطوير العلاقات جنوب جنوب، وتطورت مساهمته في قضية الشرق الأوسط إلى العمل من أجل تحالف في خدمة حل الدولتين..
لقد أصبح الاستقرار مسألة حيوية في تقدير السياسات الأمريكية في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن لأي محلل أمريكي اليوم أو مركز دراسات أو صاحب قرار أن يغفل أن المنطقة العربية وشمال إفريقيا تضررت من التحولات الراديكالية وتفكك دول وانهيار أنظمة، بسبب العجز عن الانتقال الديموقراطي، وفي سياق ذلك فقدت واشنطن الكثير من حلفائها من مبارك إلى بنعلي، كما عجزت عن ضمان استقرار الأنظمة التي ساعدتها بعد إسقاط خصومها كما هو حال ليبيا القذافي!
والمغرب هو الواحة الوحيدة في منطقة تتأرجح بين الجمود الاستبدادي وبين الاستقرار، وفي هذا المشهد يعتبر التعاون المغربي الأمريكي من أجل استمرار التعاون والاستقرار درسا في الجيواستراتيجية.. بدون دهن* ذلك طابع اشتراطي ( قائم على الشروط)…
، أن التصويت على الميزانية أكبرمن تدبير سنوي ، وهو يندرج في سياق مستقبلي، طويل المدى، ويرفع من العلاقة إلى درجة أكبر بحيث يطرح على شركاء آخرين، أوربيين وفرنسيين على وجه الخصوص ضرورة التكيف مع هذه المعطيات، ومنها معطى دولة تخلق ريادتها الإقليمية والقارية …
ولا بد أن نذكر أنه كان جنرال قوات المارينز الأمريكية مايكل لانجلي، أعلى مسؤول عسكري أمريكي مكلف بإفريقيا، قد قام بزيارته الأولى للمملكة منذ تعيينه قائدًا للقيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) يومي، 17-18 أكتوبر الماضي
وينسق المغرب، عن كثب، مع الولايات المتحدة حول العديد من القضايا الأمنية المحورية، فهو يشارك في أكثر من 100 مناورة عسكرية سنويًا، ويحتضن مناورات الأسد الإفريقي – أكبر تمرين عسكري سنوي في القارة الإفريقية – وهو شريك رئيسي في كل من برامج التعليم والتدريب العسكري الدولي الأمريكي والمبيعات العسكرية الأجنبية.
في الوقت المتزامن مع توقيع بايدن، يجري التحضير لمناورات الأسد الإفريقي 2023 العسكرية. وكانت مناورات 2022 هي الأكبر منذ انطلاقة هذا الحدث التدريبي السنوي في عام 2004،حيث شارك فيه الآلاف من العسكريين الأمريكيين والمغاربة في مواقع التدريبات في جميع أنحاء المملكة.
ختاما، قبل عامين، في أكتوبر 2020، وقع المغرب والولايات المتحدة “خارطة طريق للتعاون الدفاعي” الممتدة لعشر سنوات حول التعاون في المجالات ذات الأولوية، بما في ذلك تعزيز التحديث العسكري المغربي والجهود المبذولة لمواجهة التهديدات الإقليمية بشكل أكثر فعالية. هي الاتفاقية وحدها التي تدرج التعاون الثنائي في بعد استراتيجي حاسم لم يفهمه بعد بعض الحلفاء والخصوم كلهم!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/12/2022