التغول أولا، ثم التوحش ثانيا!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
للحكومة أغلبيتها البرلمانية القوية والمهيمنة والمنتشرة في الزمان والمكان، في الواقعي والافتراضي، والمتحالفة طبقيا وفكريا وإلكترونيا وماليا…
للحكومة فوبيا الفراغ التي قد تدخل منها أحزاب أخرى، فهي كالطبيعة الثانية في المغرب.
للحكومة مجالسها الترابية في الجماعات القروية والبلدية، ولها المجالس الإقليمية التي تحكم عليها قبضتها العددية والقانونية والمسطرية، ولا تسمح الحكومة بأي لون لايشبهها ولا بأي صوت لا يغني على مقاماتها، ولا تسمح الحكومة إلا بالأرثودوكسية الحكومية…
لله يزيد ويبارك…
وللحكومة الجهات الـ 12 تسير بإيقاع العاصمة وتتجاوب في رجع الصدى مع المركز.
وللحكومة الجهات الـ4 في البلاد
ولها الجهة «التي تضر» المغاربة أيضا…
لها جهات الصحراء والشرق
وجهات الغرب والشمال
لها مشارف الأطلسي
وضواحي المتوسط
لها شطآن الحوض المتوسط
وشواطئ الأطلسي
تلال الداخل وجبال الريف والأطلس…
للحكومة الوزارات كلها
ولها الثالوث المدستر
والثالوث المحرم على أي انتماء غير انتماء مكوناتها إليه…
للحكومة كل وسائل الدعاية وقوة القرار السياسية…
للحكومة نقابة الباطرونا التي تحاورها…
للحكومة طريق سيار من التعيينات ومن المدراء والرؤساء وخيول السباق… ولها فوق كل ذلك، غابة من الأيادي ترتفع عند كل تصويت تغطي على ما عداها من ظلال…
لكن الحكومة لا تقنع بذلك، وتخاف من كل ظل معارض أو صوت لا يشبه صوتها، فتعمل ما يجب وما لا يجب لكي تبتلع حقوق المعارضة، وتلجم البرلمان..
ولا حاجة للمعارضة، أي لا حاجة لجزء من الدستوري، عمليا تعطله عبر تعطيل المعارضة…
هي أكبر من التفعيل الرومانسي للدستور، هي تؤمن بميزان القوى وبالعدد، وتعطل المقترحات الحكومية، تؤمن إيمانا راسخا أن الفكرة التي لا تصدر عنها فكرة باطلة ومشبوهة، وللحكومة الليبرالية فكرة جهنمية عن الليبرالية، وفكرة ستالينية عن الليبرالية: حرية الأسعار وتنامي الهوامش الحارقة في تراب البلاد طولا وعرضا.
تحتقر ليبراليتها عندما لا تدافع عن الحرية ولا عن النسبية وتفتح للأفكار الأخرى مجالا للوجود…
الحكومة تغولت، وسرعان ما توحشت !
يمكن أن نتهم الحكومة بكل شيء، إلا بعجزها عن التطور السريع والتقدم على جبهة التوحش بقفزات نوعية وكمية لا مثيل لها، فقد انتقلت في أقل من تسع شهور، يتطلبها الحمل الحقيقي، من التغول إلى.. التوحش الكلي.
في طريق سريع وبدون معلمين سابقين في علوم السياسة وعلوم البيولوجيا الإحيائية وعلوم النفس البيداغوجية.
الحكومة تعامل المعارضة كزائدة »دوديمقراطية«، بما أنها لا تملك العدد الذي يمكن أن يزعجها أو يعضها من الأذن، 107 مقاعد ومقابلها من الأصوات يجعل المعارضة بلا أسنان ولا سلاح، لا حق لها في تكوين لجن التحقيق ولا تكوين لجان التقصي ولا تمنح قوة استدعاء رئيس الحكومة.
لهذا لن يزعج أحد من المعارضة عزيز أخنوش، ولهذا لا يأتي في المواعيد المسطرة…
فماذا يتبقى للمعارضة؟ تلجأ إلى التمارين البسيطة والمألوفة، التي تعطلها الحكومة بقوة التغول، الأسئلة الشفهية، تبقى بلا أجوبة، في غالبيتها، وتقديم التعديلات لا يجد له صدى في لوحة الحكومة، ومقترحات القوانين المضمونة دستوريا، قدمت منها المعارضة 65 مقترحا رفضتها الأغلبية بدون أن يرف لها جفن سياسي…
لا تخضع للنقاش ولا صداع الراس، بل ترفض من الأصل.. من الجذر، من البداية، وبناء على موقف مسبق من كل ما يأتي من المعارضة…
الحكومة تقبلت، لا شك، أنه كان يوم تاريخيا، 3 مشاريع طوال المئة يوم من وجود الحكومة والبرلمان والمعارضة والسياسة.
130 تعديلا على قانون مالية منها 92 للمعارضة 3 تعديلات فقط قبلت بها الأغلبية .
المعارضة تتجاوز اختلافاتها، من يسار إلى يسار ديمقراطي إلى إسلامي إلى محافظ وسط، لتقدم تعديلات، ولا تحرك الحكومة سوى مروحة اليد لكي ترفضها كلها عن بكرة أبيها، لأن الحكومة أقسمت على أن تكون وحدها في المشهد العام عبر اتفاق إسمنتي حديدي.. مسلح…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/02/2022