التقنوقراطي و… الكمامة!

عبد الحميد جماهري
لنتفق وننهي النقاش السياسي.. ونعتبر بأن الأمر واضح:
لقد أنهى الدستور أي معنى للتقنوقراط في التدبير الحكومي، وأن الدستور أيضا حرم عليهم دخول التسيير السياسي، ولو من باب الأزمة.
لنتفق أيضا أن الجائحة، لن تغير الكثير من أوضاعنا المؤسساتية، وأننا سرعان ما سنعود إلى رمادنا القديم، مثل القطط التي اعتادت الدفء السهل والبحبوحة القططية الملائمة..
ونتساءل بكل رومانسية غير ثورية ولا منهجية ديموقراطية نحن في حاجة إليها:
هل التقنوقراطي ممنوع من التدبير الحكومي، إذا جاء بلا قناع ويسقبل بالأناشيد والزغاريد إذا هو وضع كمامات وقناعا وتقدم إليها تحت اسم مستعار؟
هذا مضمر بالكاد يخفي نفسه، في النقاشات العمومية وفي بيانات الأحزاب وأيضا في مقترحات الوضع وأجندة الانتخابات، بالنسبة لهذه النقطة المضمر واضح فيها.
وهذه مظاهره من تحت «الكمامة»:
– تقبل الأحزاب، عند تشكيل الحكومات، أن «تدمج» في لوائح تشكيلتها وباسمها أسماء تقنوقراط وتقنيين وخبراء، سرعان ما تقدمهم على أنهم «أبناؤها»، لكن الأحزاب نفسها، لا تتردد في الإعلان بصوت عال عن رفض التقنوقراط، وتغييب الأحزاب السياسية، خارج مسرح الظل والدمى اليابانية الذي تبرع فيه من بعد!
الأحزاب سرعان ما تقوم بفحص جيني، ويتبين أن الوزير ابنها الشرعي وأن حمضه النووي السياسي هو ذاته لدى الأب المؤسس، حتى ولو كان من قبلُ في وزارة أخرى، تحت اسم عائلي نووي آخر وبـ»جينوم« سياسي مغاير..
لا بأس، يمكن أن تتقدم التقنوقراطية باسم الحزب الذي يلعنها اليوم إن هي تحدثت بلسان آخر غير لسانه…
المهم، لا بأس من التعميد الكنسي، الديموقراطية من رحم الكاثوليكي، ويصبح الأنسب في السياسة، وللسياسة الدستور، أن «يُعمّد« التقنوقراطي حزبيا، حتى إذا لم يستمر من بعد في الحزب الذي استوزر باسمه!
لا بأس، تلكم معضلة سيحلها تقنوقراطي بآخر، تقنوقراطي الانتخابات، الذي يحصل على المقعد بدون تشبث كبير بالسياسة…
الحل أيها السادة لكي يثق فينا الناس ويزيدون غير قليل من منسوب الثقة أن نقول لهم ما يقع بالوضوح التام، ونعلن بالوضوح التام أيضا لماذا نحلل في الحزبية ما نرفضه في المؤسسات المشكلة للدولة.
علما أنني لست مع التقنوقرطي السياسي وليس التقنوقراطي الذي لولاه لما كان لنا حظوظ في مواجهة ما يحدث في الجائحة…التقني العلمي، التقني الصحي، التقني الاكاديمي وهلم تقنوقراط ولا يدعون غير ما يعرفون.
والتقنوقراطي لا يقدم الحساب، وعندما تحين الاستحقاقات ، يضع معطفه علي كتفه ويرحل.
احزاب ، بقضها وقضيضها، تضع المعطف وترحل، عندما تتنكر لمبادئها التي دافعت عنها طويلا في ما قبل الازمة، وربما تسببت في النكوض أمام الازمة، وتبدو كما لو أنها كانت دائما في الضفة الصحيحة من المواجهة…
إذ يمكن للأحزاب أيضا أن تتبجح بأنها كانت تملك القدرة على الإصلاح كما يراه صندوق النقد وتراه مراكز المال، وأن شجاعتها الأدبية والسياسية هي التي أمنت الإصلاح بتحرير الدولة من التعليم وتحريرها من سؤال الصحة وتحريرها من المقاصة.. ومن التقاعد.
وهي نفسها تعود لكي تدعي- بفكر كونفوني pense confin كما عبر عن ذلك مدير تحرير «ليبراسيون» الفرنسية لوران جوفران- أن الكورونا أثبت ما كانت تقوله وما كانت تدعو إليه وما كانت تتوقعه.
يا سلام، وعندما يسقط القناع، يتم البحث عن كمامة جديدة ويتم افتعال نقاش جديد، على غرار نقاش التحكم حول نفس الديموقراطية ونفس المكتسبات الدستورية…
بللاااااااتي اعمي: أين تحرير الدولة من الصحة والتعليم ورفع اليد عنهما وتقديمهما للقطاع الخاص؟؟؟
بلاااااااتي اعمي، قبل أن تسألنا عن فرائض الديموقراطية في تدبير الجائحة، ماذا كنت تقول عن ضرورة خروج السياسسة من الاصلاح وترك التقنوقراطي المالي في لندن ونيويورك وباريس يحدد ما نريد؟
* الأحزاب تتردد في بناء «إبداعها» السياسي في الدعوة إلى تحرير الدولة، من النفقات الخاصة بالتعليم، والخاصة بالصحة، وبرفع الدعم عن المواد الأساسية، لكنها نفس الأحزاب التي تعود من جديد، للدعوة إلى الدولة القوية المركزية الحريصة على القطاعات الاجتماعية، بدون تقديم نقد ذاتي، ولا اعتذار عما بدر منها من سياسات وقرارات كانت فيها، أقرب إلى التلميذ النجيب لصندوق النقد الدولي منها إلى الإعلان الحالي عن اعتناق القاعدة الأيديولوجية والاجتماعية ذات التوجه التضامني أو الإحساني…
يا صديق الليبرالية، الذي يزعجه أن نقول الحقيقة،قل لنا أنت بالذات:
أليست هناك دولة بأذرع طويلة وقوية قادرة على البناء، وهذه الدولة تسعى إلى أن نقتسم معها الثقة التي استعادتها من المواطنين وتريد أن تعيد علينا قصة «أنا والقايد كانشدو مليون»، ألا يمكن أن نتحدث قليلا بوضوح، لا يقل عن الافتخار بما يتحقق؟
* يا صديق الليبراليين، الذين كانوا يعتبرون أن الدولة القوية، الدولة الاستراتيجية والمربية والحامية اجتماعيا للمواطنين، تشكل عالة مالية، وكرة حديدية تجرها الدولة الطامحة في العولمة الشاملة، وعالة على تطور الاقتصاد، لماذا كلهم يلهجون بالثناء على الدولة القوية، العادلة والحاسمة والمبادرة، من أجل، أولا إنقاذ الرأسمال، وثانيا إنقاذ الليبرالية، التي كان وجودها يعني قتل الدولة أولا وقبل كل شيء، ومن بعد كل شيء…؟
في السياسة الوطنية يحسن بالتقنوقراطي أن يتقدم واضعا كمامة حزبية حتى لا نعرفه، وحتى نحمي النقاش من جرعات الوضوح والحقيقة ونتهم الجهات الغامضة بترتيب الوجود على مقاس ما علمه هاروت وماروت!!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 15/06/2020