الجزائر : التطهير وأحداث فرنسا والهجوم على الأمن المغربي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
«التطهير بواسطة الفراغ”، هكذا اعتبرت الصحيفة الجزائرية( “لاباتري نيوز “ـ الوطن نيوز ) العملية الجريئة في تخليق الحياة المهنية في المعهد الملكي للأمن الوطني والقرارات التي رافقتها، وبهذه التبخيسية الباطولوجية عنونت مقالتها في إصدارها خلال الأسبوع الذي نودعه.
وهو العنوان البارز، الذي يضاف إلى التهجم المرَضي على الأمن المغربي، في ربط تعسفي مجنون بين أجهزة المغرب والأحداث الغاضبة في الشوارع الفرنسية.
وبالرغم من أن معطيات القرار الخاص بالإجراءات المتخذة وحيثياته كانت موضوع بلاغ واضح، وعلني ومعلل، فإن الإعلام التابع للجيش والمخابرات أراد أن يعطيها تأويلا بناء على ما تعوده من حياة النظام الجزائري نفسه، فتم إسقاط المعاني التي يعيشها نظام الجنرالات على جهاز أمني بعيد كل البعد عن الاستباحات التخريفية لأصحاب الجزمات.
القصة بدأت عندما أصدرت المديرية العامة للأمن الوطني، في السبت الماضي، مجموعة من العقوبات التأديبية وإجراءات التقويم الوظيفي في حق عدد من موظفي الشرطة العاملين بالمعهد الملكي للشرطة، وذلك بناء على نتائج عملية افتحاص دقيق باشرتها مصالح المفتشية العامة التابعة للأمن الوطني.
وكان المدير العام للأمن الوطني قد كلف المفتشية العامة بإجراء بحث دقيق حول تدبير المعهد الملكي للشرطة والمدارس التابعة له، وهو البحث الذي أسفرت نتائجه عن تسجيل مجموعة من الاختلالات والتجاوزات الوظيفية والسلوكيات الفردية التي تخرج عن إطار الحكامة الأمنية وأخلاقيات المهنة الشرطية.
العقوبات التأديبية شملت توقيف مدير المعهد الملكي للشرطة مؤقتا عن العمل، في انتظار عرضه على المجلس التأديبي، وذلك للبت في التجاوزات المنسوبة إليه، وهو الإجراء نفسه الذي صدر في حق موظفي شرطة آخرين برتبة قائد أمن ومفتش شرطة، فضلا عن إصدار عقوبة التوبيخ في حق مقدم شرطة، وعقوبة الإنذار في حق ثلاثة من العاملين بنفس المؤسسة، وهم اثنان برتبة عميد شرطة وثالث برتبة مفتش شرطة، مع إعادة انتشارهم للعمل خارج مؤسسات التكوين الشرطي.
الرأي العام، سواء داخليا أو خارجيا، يرى في ذلك عملية محمودة تنبني على ثقافة النتيجة والجودة والتخليق الذي يتم تكريسه داخل الأجهزة الحساسة للدولة، وهو عنوان لتفعيل مبدأ دستوري أيضا يربط المسؤولية بالمحاسبة، ولا يمكن إلا أن يكون موضوع ترحيب وتثمين، لا سيما وأن هذه القرارات تأتي في سياق يطبعه الحرص على المتابعة الدقيقة لحسن سير المصالح المركزية المكلفة بالتكوين الشرطي، خصوصا في الجانب المتعلق بالالتزام الصارم بضوابط النزاهة الوظيفية والسلوك الشخصي القويم. وهو قرار سبقته قرارات تأديبية، منها القضائية، عديدة جعلت من الجهاز الأمني مثالا في الحكامة الرشيدة في الداخل والخارج!
لكن لم نكن نعرف بأن كل هذه المثل النبيلة والقيم الشريفة ستضعها صحافة العسكر في الجوار موضوع شك وتستخرج منها ما لا يخطر على عقل بشر:
أولا:
لم نكن نعرف بأن موظفيْ شرطة برتبة قائد أمن هم في الواقع جنرالان Deux généraux!! حتى كتبتها «الوطن نيوز” ومن سار في ركبها.
ثانيا: كاتب المقال الذي يرشح حقدا، لم يترك الفرصة تمر دون أن يهاجم رجال الأمن ويكتب :» إذا علمنا أن رجال الأمن لا يأبهون برفاهية وأمن المواطنين الذين تكلفوا بمراقبتهم وقمعهم! فمما لا شك فيه أن هذا التطهير تمليه دوافع خفية !!! ويمكن أن تكون على علاقة بالتنافس على … الخلافة!!! التي تمور داخل بعض الدوائر المركزية عند المخزن”!!
ثالثا وطبعا: ينصحنا الكاتب بمتابعتها، وفي هذا السياق يبحث لعبد اللطيف الحموشي عن مكانة في المشهد ويدعي بأنه صار رجلا قويا في هذا السباق، وأنه يقوم بالعملية الحالية في إطاره!!!
رابعا، ويبدأ معها تعليقنا: لا يمكن أن يعاتَب كاتب الجزائر الأمني على لغته، فهو لا يعرف سوى ما ورثه عن الستالينية ومقولات “التطهير والحيل والاضطهاد”.
لكن مع ذلك لماذا لم يسأل نفسه: كم من عمليات تطهير عرفها الأمن الجزائري منذ أصبح الحموشي في المغرب مديرا للأمن ومسؤولا عن «الديستي”؟
لقد تم تعيين الحموشي في ماي 2015، أي منذ ثمان سنوات فقط، بناء على قرار ملكي وبمقتضى الفصل 49 من الدستور في مجلس وزاري.
ثانيا، هو تعيين رده بلاغ الديوان الملكي إلى الحنكة والتجربة التي أبان عنها الحموشي في مساره المهني .
ثالثا، كان هذا التعيين في هذه المرحلة، يهدف لإعطاء دينامية جديدة للإدارة العامة للأمن الوطني، وتطوير وعصرنة أساليب عملها.
وهو ما يقوم به الرجل بتفان وولاء، لا يمكن لأي من رجال أجهزة العسكر في دولة الجوار أن يثبت مثله في العلاقة مع بلاده !!!! وتلك قصة أخرى..
في الواقع بالنسبة لدولة مثل الجزائر، لا يمكن حصر عدد عمليات التطهير التي عرفتها في هذه الفترة ( 8 سنوات ) بحيث أن تعدادها يعطي الانطباع بأن النظام عمره ألف عام!
فالدولة الشرقية عرفت عمليات تطهير على رأس كل شهرين منذ قرابة خمس سنوات على رأس أجهزتها الأمنية العسكرية والمدنية على حد سواء، ويمكن القول بأنها لم تستفد كثيرا من ذلك، لأنها لم تستطع أن تميز بين التطهير الستاليني وبين التخليق في المؤسسات التي تبني عليها الدولة هيبتها وتكوين طاقمها الأمني…
نذكر أن بالجزائر، وفي شهر واحد هو شتنبر 2022 ، اختفى ولد سيد علي الرميلي وحل محله جبار مهنا، علما أن الرميلي كان قد عين جنرالا قبل تعيينه بأسابيع قليلة، وسارع دوما إلى حماية أبناء شنقريحة…
ويعرف الجميع أن كل تاريخ الجزائر هو تاريخ عمليات تطهير، وقد عرفت البلاد لحظات اهتزت فيها عروش الجنرالات، في حروب أهلية ضروس، منها الحرب بين المرحوم أحمد قايد صالح ومحمد مدين المعروف باسم توفيق، الذي كان يصنع المطر والجو الصحو في الجزائر.
في قصة ابنه شفيق (وشقيقتيه) تفاصيل كثيرة تم الكشف عنها عندما بدأ النظام يتآكل ويأكل بعضه البعض حيث أنهم ذرفوا الدموع أمام الملأ دفاعا عن أبيهم مطالبين بإطلاق سراحه عندما كان وراء القضبان..
لم يتأخر الانتقام بعد موت قايد صالح ابتداء من أبريل 2020، حيث اعتقل العشرات من بينهم 3 رؤساء مخابرات (كمال الدين الرميلي وواسيني بوعزة ومحمد يوسف)، ودار الزمان على دارا وقاتله وأصبح الذين نفذوا أوامر الثنائى توفيق ونزار بدورهم تحت أعواد المشنقة، ومنهم الجنرالان نورالدين مقري وعبد الغني راشدي .
لن نتحدث عن التطهير الستاليني الذي سبق بوتفليقة ولا الذي جاء بعده، والذي مس المدنيين والوزراء ورؤساء الحكومات. ولهذا، كان الأحرى بالصحافة الناطقة باسم الجيش والمخابرات أن تعرف معنى التطهير، وتطبق النموذج الجزائري لعلها تفهم الفرق بينه وبين تخليق الحياة المهنية للأمن، في واضحة النهار، وبتعليل مؤسساتي وقانوني، مع انتظار كلمة المؤسسات التأديبية والمحاكم في حالة ما تمت الإحالة عليها، أما النموذج الذي تقدمه الجارة، فهو نموذج المحاكمات والاعتقالات والهروب الجماعي إلى الخارج، ويحرمها من سعادة أن “تتابع” المجريات المغربية…!
العقدة المغربية تستفحل لدى النفسية العسكرية في الجوار، وهي عقدة تجعل الأجهزة والإعلام هناك يرون في كل شبر فوق الكوكب الأرضي رجل أمن مغربي يتربص بجنرالات شيوخ، هم أكثر دقة في التنكيل والتربص ببعضهم البعض، وليسوا في حاجة لآخرين!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 08/07/2023