الجزائر.. الصدمة كانت قوية

عبد الحميد جماهري

راهنت الجزائر على جعل اجتماع مجلس الأمن وقراره الخاص بالصحراء المغربية، نقطة تحول جذري في التناول الأممي للقضية.
الجزائر التي زرعت الكثير من الأوهام في الشهور الأخيرة، حصدت النكسة.
ومن يزرع الأوهام الكبرى، فلا بد وأن يحصد الصدمة الكبرى.. والصدمة، في أعلى هرم الدولة الجزائرية، تولد الكذب والافتراء، كما رأينا في التعامل الجزائري النظامي والتعامل الانفصالي التابع، مع قرار حظي بشبه اجماع دولي.
مظاهر الفزع والشعور بالانتكاسة تتمثل في:
– الكذب يظهر من خلال ما تقوله الوكالة الرسمية للجزائر، بعد صمت دام أزيد من يومين، إذ نشرت أن النص انتقدته العديد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن˜…
كما لو أن العالم لم يتابع ولم ير ما حدث
كما لو أن التصويت بنعم لا يعبر عن الرضى
كما لو أن الدول المجتمعة هي الدول غير المصوتة..
فالعبارة تشي وكأن العديد˜“ تعني دولتين في الرياضيات الممجوجة للجارة الشرقية…
– نفس الجزائر- الدولة نعتت دول المجلس التي صوتت على القرار، بسيادية ليست في حاجة إلى الدروس من شنقريحة وأعوانه، بأنها غير مسؤولة وغير متبصرة، وذلك من خلال بيان لوزارة الخارجية، ورد فيه حرفيا أن الجزائر تعرب عن Œعميق أسفها للقرار الأخير لمجلس الأمن الدولي الذي يفتقر إلى المسؤولية والتبصر.
وخلصت إلى عدم عدم دعمها للقرار˜“.
وزادت عزلتها فصلا اخر، وأعلنت خروجها من منطق الدولة التي تنتمي لمنظومة سياسية وأخلاقية متعارف عليها عالميا، من خلال سريان قرارات هيئةالامم المتحدة.
الدولة المارقة، هو هذا تعريفها، والدولة المارقة تعتمد لغة مارقة، كما اتضح من هذه اللغة غير المهذبة..
والتي تلاها التهديد بـ زيادة التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة..
– مزيدا من الارتباك نلاحظه في الموقف من مهمة المبعوث الشخصي، الذي كانت قد طالبت في وقت سابق إلى ضرورة الإسراع بتعيينه، قبل أن ترفض مهمته، وتحاول إملاء شروطها عليه، وقد ورد في بيان الخارجية، بقيادة لعمامرة، أنها تنتظر من المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام إدراج ولايته حصريا في إطار تنفيذ القرار 690 – 1991…
– بالرغم من أن قرار مجلس الأمن لم يشر، لا من بعيد ولا من قريب إلى أي تكتل إقليمي أو قاري، من قبيل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، فإن الجزائر تريد أن تدخل الاتحاد الإفريقي في القضية، من خلال مجلس السلام والأمن، وتريد من المجتمع الدولي، أن يمتثل لقرارات مجلس السلام والأمن في الاتحاد الافريقي، لبداية مفاوضات بين المغرب والبوليزاريو ..
– الدور الذي أوكلته الجزائر للبوليزاريو هو التهديد بمواصلة حرب «البلاغات» التي وصلت أمس إلى 352 بلاغا.
وسمحت لها بتهديد أعضاء المينورسو المتواجدين في المنطقة خارج الجدار الأمني..
مما سيزيد من قناعة مجلس الأمن والأمم المتحدة عموما بأن العصابة المسلحة عنصر تهديد تواجهه الأمم المتحدة نفسها، بعد أن استعصى عليها فرض منطق حالة حرب على المنطقة، والمغرب بالتخصيص.
ونفس اللغة الوقحة استعملها الانفصاليون إزاء مجلس الأمن، المتهم من لدنها بـ التقاعس والصمت..
واعتبرت قراره نكسة خطيرة˜-وهي بالنسبة لها كذلك ولا شك- تفتح الطريق أمام تصعيد الكفاح المسلح، وإعادة النظر في المشاركة في المسار الأممي ..
لقد ذهب العالم بعيدا في ما يخص معايير الحل الموضوعة لصراع إقليمي مفتعل طال أمده.
فتغير الوعي الدولي بطبيعة المعطيات، التي تريد الجزائر إحياءها عبر العودة الى القرار 630.
وقد مرت عليها عشرات القرارات، التي تفاعلت مع الديناميات المعقولة والواقعية والمتوافق عليها.
لم يعد أمام الأمم المتحدة، ضرورة للحديث عن الاستفتاء المؤدي الى الاستقلال ، حسب الفهم الجزائري­ الانفصالي.
فتم إقباره نهائيا، عبر القرارات الأخيرة للامم المتحدة،
فتغيرت بذلك وسيلة الحل، التي صارت هي الموائد المستديرة، بدل الاستفتاء الذي اعترف الجميع باستحالة تنفيذه.
وتغير الأفق الممكن للنزاع، بحيث أصبح هو الحكم الذاتي، الواقعي العملي والتوافق عليه، ليس فقط بين أطراف النزاع، بل متوافق عليه دوليا..
وتغيرت طبيعة النزاع، أو قل أن العالم أدرك حقيقة النزاع، ولم يعد نزاعا ثنائيا بين المغرب والبوليزاريو بل نزاعا إقليميا تعد الجزائر الطرف الرئيسي فيه..
وبرفضها للقرار، تعمق الجزائر، أخيرا عزلتها في العالم.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 01/11/2021