الجنرالات في ضيافة الحريق

عبد الحميد جماهري

يمد المغرب يده، ويرفض العسكر
ويمد خراطيم مياهه، ويتردد العسكر
ويمد سماط التعازي، ويصمت العسكر
لكن الأبواق الأخرى، المأذونة وشبه المأذونة، لا تتردد، ضمنا أو صراحة، في اتهام المغرب بالوقوف وراء الحرائق في الجزائر وفي القبائل نفسها.
وعندما يتعلق الأمر بالمجاز، يسلم المغاربة بالفعل بأن النظام في حاجة إلى عدو يتهمه بإشعال الحرائق الدبلوماسية والحرائق الاجتماعية… إلخ.
على مضض، نحاول أن نعقلن الجنون الذي يستبد بهم، في حرائق القبائل سمحت قوى النار في الجزائر لنفسها بأن تتهمه بالوقوف وراء ذلك.
من حق المغاربة في هذه الحال أن يجعلوا شعار «هراقليطس الأفسوسي»، الذي يعتبر بأن: الأَوْلى هو إخماد السُّبَّة الظالمة قبل الحريق، شعارا لهم!
لكنهم سيتنازلون عنه، احتراما للأرواح الطاهرة التي شوتها النيران، أمام الكاميرات ! خاصة ونحن نعرف أن هذه الإشاعات، التي تعلمنا بلاغة الأدب، تنبت مثل عشبة ضارة بعد كل حريق، كانت يانعة من قبله في الواقع!
وإن بشكل آخر، وبلا جثث ولا تفحم ولا نيران…
إشاعات عن الوقوف وراء الحراك، والتجسس، والمخدرات..
ونحن في أحسن الحالات نكون شعبا يعيش الفقر والبؤس والانفجارات الاجتماعية و……
ولعل العنوان الأبرز لهذه الهجمة، هو ما كتبته المجاهد الجزائرية، وهي الجريدة الرسمية والقديمة في التعبير عن كواليس النظام وعن أعمدة دعايته في تغذية نفسه بقواميس العداء الصريح للمغرب، وقد نشرت في افتتاحية لها، يوم الثلاثاء، ما مضمونه أن المغرب يقف وراء هذه النيران، ضمن مخطط فانتاستيكي، مبني على تحالف الرباط وتل أبيب…
وكتبت اليومية، بأن الأمر يتعلق بإعلان حرب، من عناصره القائمة حملة لزعزعة الاستقرار كشفها التآمر المغربي الإسرائيلي ومحاولة التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر من طرف المخزن«!
هي قمة البذاءة والجنون.
في حقيقة الواقع تريد أجهزة النظام أن ترد على وقائع تتهمها هي وتجدد دمها برفع راية العدو الدائم والخالد والثابت، العدو الذي تشكل السبة الظالمة، في حقه، مأزقا عقليا لديها ولدى الحاكم العسكري في الجزائر…
الحقيقة الظاهرة للعيان هي أن نظام العسكر فشل في تدبير ثلاثة عناصر من العناصر الأربعة في الكون، وهي الماء، والهواء، والنار والتراب…
في الماء فشل في إرواء عطش شعبه، ولكنه رأى أن أحسن طريقة هي أن يحل مشكلة المياه في .. الحدود بين مصر وأثيوبيا.
في النار، لم يجد مياها لإخماد الحريق، ولو كانت مالحة، وراح يبحث عن حريق سياسي ليخمد ما يستعر في قلوب الجزائريين..
وفي الهواء، لم يجد أوكسجين للمرضى بالكوفيد، ولم يجد القوة ليعترف باختناقه…
والتراب يشتعل تحت أقدامه أراد أن يعوض كل هذه العناصر الطبيعية الموجودة في الكون، بعنصر ثابت في العداوة، المغرب!
وحقيقة الأمر أن النظام كان أمام ثلاث متناقضات رهيبة في تدبير الحريق، لم يستطع الإجابة عنها فسوَّق الاتهام ضد المغرب، وهذه المتناقضات الصارخة هي:
– العجز الرهيب لدولة تقول إنها الأقوى قاريا والمهيمنة الوحيدة في إفريقيا،عن إخماد حريق طال امتداده، والتهم الكثير من الهكتارات والتهم الكثير من أرواح «المطهر» العسكريpurgatoire militaire!
هذا العجز خرج الجزائريون أنفسهم يصفونه بدقة وثبات وبلا مجاملة، ويشهرون نيران النقد القاسية في وجه الآلة الدعائية المشروخة التي تحميه.
– عودة الاتهام ضد الحكم القائم، على ضوء علاقة النظام بحرائق سابقة، وقعت في المنطقة، ذاتها. ولعل أحد أهم مظاهر عودة الماضي القاسية، هي تلك الشهادة التي أوردها محمد سويدية، في كتاب »الحرب القذرة«، وهو ضابط سابق في الجيش الجزائري 1992-2000 ، وهو كتاب سبق له أن اتهم القائد الأعلى للجيش الجزائري، والذي كان وقتها من أعمدة الحرب الأهلية، سعيد شنقريحة، » بأنه أعطى أوامره بإحراق نفس الغابات ونفس المناطق، في إطار محاربة الإرهاب وجماعات عبد القادر لعيايدة، والذي كان قد تسلل إلى المغرب وسلمه لهم وقتها عن طريق الجنرال خالد نزار.
واليوم يريد النظام أن يقيم توازيا وتماثلا بين الجماعة المسلحة الإسلامية سابقا وحركة استقلال القبايل، الماك، واتهام المغرب بالتخطيط معها!
– وعادت إلى سطح الأحداث، واقعة مقتل الرهبان السبعة، وعن مسؤولية النظام العسكري وقواته الخاصة في هذه المجزرة.
وقد سبق لفرنسا أن لوحت بتفاصيل جديدة عنها، عندما رفعت السكرتارية الجزائرية ورقة الجرائم السابقة لفرنسا في الجزائر وطالبت بالاعتذار وبالإصطفاف إلى جانب الدولة العسكرية في قضايا المنطقة..
في أبريل الماضي، تم نشر تقرير على صفحات «الفيغارو» الفرنسية حول مسؤولية النظام عن مقتلهم، وقد ورد ذلك في شهادة كريم مولاي الذي يقول إنه عمل بين عامي 1987 و2001 في مديرية المخابرات الأمنية السابقة، خاصة دائرة الاستعلام والأمن التي حُلّت عام 2015، قبل أن يطلب اللجوء السياسي في المملكة المتحدة منذ بداية عام 2001.
وهو العسكري نفسه الذي كشف تورط الاستخبارات الجزائرية في عملية «أطلس أسني» الشهيرة ، والتي ضرب إرهابها بلادنا في هجوم فندق “أطلس أسني” بمراكش عام 1994….
إن النظام العسكري يوجد اليوم، بلغة الشاعر العزيز إدريس الملياني، «في ضيافة الحريق»، وعوض أن يبحث عن إطفائه يتوهم أن العداوة يمكن أن تنقذه من تراكم الجمر تحت الرماد واشتعال اللهب في الشجر.
الواضح أن المجاهد الجزائرية تتحدث بلسان حال الثكنات، وترسل إشارات عن إعلان حرب من الطرف الذي يتوهم نفسه ضحية.. وهو مسكون بنيران الحقد، هذه النيران يرى فيها نيرون جنون عظمته، ويريدها أن تلتهم المنطقة كلها..
وكما قال صديق أديب شاعر وروائي لم أستئذنه في ذكر اسمه: «هل نظام يحرق أبناءه، يمكن أن ينصت إلى حكمة جاره»؟

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 14/08/2021