الجنون الإيراني للجزائر

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
أتصور النظام الجزائري وهو يطلع على الموقف العربي كمن قال فيه سبحانه وتعالى” »وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ “، فَكُل فقرة من البيان، صغيرة أو كبيرة، تشعره بالضيق وتطوح به في فراغات عزلته…
كل شيء في موقف البرلمان العربي يثير جنون النظام العسكري في الجزائر.
أولها، الرد الرافض لموقف الاتحاد الأوروبي في وقوفه إلى جانب إسبانيا.. وكانت العسكرتارية المجاورة قد احتفلت بالقرار واعتبرته نجاحا خاصا لها.
فالموقف العربي اعتبر بيان البرلمان الأوروبي ابتزازا، وتسييسا مرفوضا.. وتبنى الموقف المغربي من الزج بالاتحاد الأوروبي في الأزمة الثنائية بين المغرب وإسبانيا، وضرورة فتح ملف مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين والجزر المغربية المحتلة لتسوية هذا الوضع الذي يعتبر من مخلفات الحقبة الاستعمارية.
وهو ما يعني تحيين الملف كقضية تصفية استعمار.
والحال أن النظام العسكري، كان قد وقف وقفة صريحة إلى جانب الاستعمار في سبتة، بل ذهب إلى محاولة فك العزلة عنه بفتح خط بحري بين سبتة المحتلة ومليلية وميناء الغزوات، ووضع يده في يد كل أصحاب النزوعات الاستعلائية والقوى المتطرفة في هذا الباب.
البرلمان العربي أشاد بالجهود التي يبذلها جلالة الملك رئيس لجنة القدس، في الدفاع عن المدينة المقدسة ودعم صمود الشعب الفلسطيني، والحال أن نظام الجنون العسكري كان قد اعتبر الفرصة مواتية لكي يهاجم المغرب من زاوية الاتفاق الثلاثي، والحرب التي دارت رحاها في أكناف بيت المقدس والشيخ الجراح..
كل شيء في الموقف العربي يثير الجنون، ولكن المشهد يتضح أكثر عندما نقرأ هذا العصاب المرضي لنظام يعاني من حصار شعبي مؤسساتي وغير مؤسساتي، عندما نقرأ الموقف من الزاوية الإيرانية…
لقد اصطفت الجزائر إلى جانب محميتين إيرانيتين في الموقف المناهض للموقف العربي الموحد.
منذ زمان بعيد لم نشهد تكتلا برلمانيا حول قضية معينة مثل ما جرى مع الموقف المساند للمغرب، والجزائر قدمت الدليل، لمن كان في حاجة إلى دليل، على انصهارها في الخطة الإيرانية.
إيران هي حامية النظام السوري، والمرافق الجيواسترتيجي له في لعبة الأمم، وفي تأمين بقائه عبر روسيا.
ولبنان، التي يشغل فيها حزب الله موقع الدولة داخل الدولة، والقوة العسكرية الأكبر من الجيش النظامي، وصانع الأزمات، كما صناع الانفراجات، لبنان فسحة جغرافية لإيران في شارع الشرق الأوسط الكبير.
والجزائر، كانت تحتاج إلى ضدها المتوهم، المغرب، لكي تكشف وتعري عن ساقها وتقول للملالي: هيت لك!
لقد قادها الحقد إلى الجنون..
الحقد في شمال إفريقيا إلى جنون في العالم العربي…من عزلة إقليمية إلى عزلة عربية واسعة، تكشف عن عجز فظيع في قراءة الواقع وعن خلل كبير في البناء، غير أن الموقف له أيضا وجهه الإيجابي:
فالذين كانوا يشكون، عن حسن نية وعن نقص في المعطيات أو بحثا عن حياد صعب في الأزمة بين الرباط وطهران، صار عندهم الدليل اليوم عن وجود تنسيق مع الجزائر من أجل أن يكون حزب الله هو المؤطر العسكري لقوى البوليزاريو.
ولكل الذين راهنوا، ربما عن سوء فهم طارئ، صار عندهم الدليل أن الجزائر لا تتوقف عند التآمر على المغرب مع إيران، البعيدة عن شمال إفريقيا وعن رهانات غرب المتوسط، بل يمكنها أن تجمعها، موضوعيا، إلى جانب الاستعمار الإسباني في مليلية وسبتة، شرط أن يكون المشترك بينهما هو العداء للمغرب وإيجاد بيادق في المناطق التي يتحركون فيها، وقد وجدوا في دولة العسكر موطئا تاكتيكيا، إلى حين استكمال التحالفات في غرب المتوسط..وفي شمال إفريقيا ودول الساحل..
والوهم الجزائري هو أن تكون إيران خلفية لها أو عمقا استراتيجيا في الصراع مع المغرب..
ننتطر أن يفعل البرلمان العربي دعوته إلى »الاتحاد البرلماني الدولي، وبرلمان البحر الأبيض المتوسط، والجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، وكافة البرلمانات الإقليمية، إلى رفض وإدانة هذا القرار«، وهنا لا بد من أن يكتمل دور البرلمان المغربي، في صيغته القادمة مع الدعوة الصريحة، وذلك بتحريك الدعوة. ومن المفيد أن توضع من الآن خطة مغربية للتفاعل الإيجابي للبرلمان العربي لاحقا مع هذا البعد من نشاط البرلمان القادم، والذهاب بملف سبتة ومليلية إلى أبعد من ذلك، في ما يتعلق بالنقطة المتعلقة بتصفية ما تبقى من استعمار في الأراضي المغربية…
مهمة حضارية، لا بد أن القوى المعادية ستعمل ما بوسعها لشلها والتشويش عليها…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 28/06/2021