الجهات الخارجية الحقيقية… وحراك الريف!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ما قاله الرئيس الفرنسي الحديث العهد بالاليزيه، ايمانويل ماكرون، عن حراك الريف في تصور ملك البلاد، والتعامل الذي يفضله في ومع الأحداث، هو ، في محصلة التحليل ، تعبير غير مباشر عن إدانة للذين أعطوا للحراك الريفي تهويلات استشباحية فظيعة، وصلت حدودا غير مسبوقة.
إذْ عرفنا بواسطة جواب الرئيس الفرنسي عن سؤال طرح عليه إبان زيارته لبلادنا، أن ملك البلاد أفصح لضيفه عن عميق تفهمه، بل وتعاطفه مع شعبنا في الريف، وكشف أنه وضع الاحتجاج في سياقه الاجتماعي والجغرافي، تحت عنوان كبير مفاده ضرورة العمل على الاستجابة لمطالب الناس..وهو أيضا جواب عن الذين سعوا، عن حسن نية أو سوئها، إلى أن يجعلوا من الحب المعلن للملك، والحب المعلن للبلاد والتشبث بالثوابت، كما لو كانوا المقابل المناهض والمضاد للتشبث بالحق في الغضب الاجتماعي، وقد أسقطوا من ترتيباتهم أن الملك محمد السادس وضع الديمقراطية إلى جانب الثوابت الكبرى في البلاد :
الدين
الوحدة
الملكية
والديمقراطية، باعتبارها المقدس الحداثي الذي يريده المغاربة الأحرار..
و بذلك سقطت تلك المقابلة أو الثنائية، الفجة والمقلقة في الكثير من الأحيان، ثنائية تجمع بين فلول الاتهام المبهم، وبين شعب تعلم من الملك صراحته وحديثه عن الفقر والحاجة ومحاربة الفساد والريع..
ولو لم يوجد شعب ليقول ذلك، لابتدعه الملك لكي يساعده في الحرب على الفساد – والفصاد أيضا- والتلكؤ والجنوح نحو تشويه الشعب المحتج لفائدة الحب المبهم..
وفي عمق الموضوع، كذلك، انتباه الدولة الصديقة، من بين دول كبرى أخرى إلى أوضاعنا الداخلية.
فقد كشف عن اهتمام دولة صديقة، دولة عظمى برئيس جديد ، لا يندرج في خانة التوصيفات العادية داخل الدولة الفرنسية لرؤسائها، على قاعدة الحب والعاطفة إزاء المغرب:
– يسار يكرهنا في أول هبة
– ويمين يحبنا بلا شرط ..
غير أن ذلك لا يمكن معالجته إلا باستحضار بعدين اثنين:
– أولا أن العبارات التي استعملها الرئيس في الحديث عن كيفية المعالجة هي نفسها التي استعملها في الحديث مع دول أساسية، من قبيل الحديث إلى بوتين أو ترامب، أي حديث «طبيعي ومباشر»
-ثانيا، أن الاهتمام يندرج ضمن دائرة أوسع هي دائرة اهتمام عواصم أوروبية أخرى بموضوع يهم الشؤون الداخلية للمغرب، في جوهرها الاجتماعي..
وقدعلمتنا تجاربنا السابقة أن أكبر قنبلة تحملها في جرابك
هي العالم..هي قسطك الوطني منه، أي بلادك في لحظة التحولات، لحظة بين التغيير واليأس..
وقد جاء الاهتمام الفرنسي، بعد أن كانت اسبانيا أول البلدان الجارة التي تدخلت في الموضوع :
حيث كانت أول دولة أوروبية تعطي موقفًا من تطورات الحراك وتطالب المغرب بالرهان على الحوار واحترام دولة الحق والقانون، فخرج نائب وزير الخارجية إلفونسو كاسترو للجواب عن أسئلة النواب من الحزب الجمهوري الكتالاني خوان تراد، وأنخيلا بايستير عن حزب بوديموس وعن الحزب الاشتراكي النائب سانتيش، قائلا، «في اسبانيا نحث الجميع وخاصة الحكومة المغربية على الحوار واحترام القانون تماشياً مع دولة الحق والقانون…فالريف يشهد ومنذ مدة مطالب سوسيواقتصادية وتحاول الحكومة المغربية تلبيتها..»
بريطانيا بدورها سارعت إلى اتخاذ موقف رسمي وعلني، عندما حذرت وزارة الخارجية البريطانية «جميع مواطنيها من زيارة المغرب بسبب الاحتجاجات التي يعرفها إقليم الحسيمة، رغم أنه البلد الإفريقي الوحيد الذي يفضله السياح البريطانيون لقضاء عطلتهم…»
السلطات الألمانية حذرت مواطنيها الراغبين في زيارة المغرب بغرض السياحة، أن يتجنبوا زيارة المدن الكبرى، التي يُمكن أن تعرف مظاهرات شعبية مستقبلاً، خاصة مدن الشمال المغربي كالحسيمة والناظور.
والواضح أن المؤسسات الرسمية في هذه الدول لم تقف عند تحذير مواطنيها، بل غامرت بتقديم توقعات حول الحراك، وتفسيرات له.
*بالنسبة لاسبانيا فقد ذهبت النخبة الإسبانية بما فيها الرسمية إلى القول إن الحراك «سـيستمر بسبب طابعه الجماهيري في الوقت الراهن لكنه سيبقى ضمن السيطرة..».
* أما بريطانيا وألمانيا فإن التفسير المنطقي هو « أن مظاهر الفساد وغياب العدالة الاجتماعية بالمغرب كانت دافعاً لاندلاع حراك الريف»..
ولا نستطيع تقدير وقع مثل هذه المواقف، إلا إذا أدرجنا في التفكير والتأمل العواقب الممكنة على نموذج اقتصادي وتنموي ما زال يتلمس مداخله، ولاسيما بخصوص الريف ووضعه الاقتصادي، فنحن ندرك أن لدينا نموذجا اقتصاديا للتنمية يعتمد بدرجة كبيرة على السياحة والتحويلات المالية والاستثمار الأجنبي المباشر… وأي موقف يشوش على هذه المداخل الثلاثة فإن الوضع لن يحتمل أكثر وسيتفاقم على الأرجح، كما يقول كل الاقتصاديين الجديين في بلادنا!
ولم يحدث أن كان المغرب محايدا أمام نظرة الدول الصديقة، والغربية الديمقراطية خصوصا إزاءه، كما قضينا عقودا طويلا كان للموقف من التطورات الداخلية، عنصرا محددا في التعاون بين بلداننا، ويكفي أن نذكر أن الاتحاد الأوروبي، لم يتوقف عن ربط المساعدات والشراكة مع المغرب بالإصلاحات الداخلية، إلا بعد منتصف تسعينيات القرن الماضي..وأن أحد مرتكزات النجاح بالنسبة لنا، كان هو تحول القوى الخارجية – الجهات الخارجية الواضحة والحقيقية – من قوة ضغط على البلد إلى قوى مصاحبة وتثمين وتقدير لما نقوم به.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 17/06/2017