الحديقة الخلفية… بين مالي والجزائر

عبد الحميد جماهري

بعض الجمل تدخل التاريخ لتبقى، وبعضها تصنع التاريخ، ولعل هذا الأخير حافل بتلك العبارات التي رصعت المسيرة البشرية، في السياسة وفي الحروب، كما في الأدب وفي الحضارة، أو تلك التي صنعت لوحدها تاريخا، فقلبت ما سبقه وبنت وشيدت ما تلاه.
وعادة، لا تكون البلاغات السياسية الصادرة عن الدول تخلو منها في لحظات معينة .
ومن بين ما سبق، تحضرنا قولة إيميل زولا وهو يشهر أصبعه في وجه القضاة والسياسيين، »»إني أتهم««، في قضية القبطان
دريفيس، كما تحضرني عبارة تبدو لي مشابهة لها، وقد وردت أيضا في مرافعته الاتهامية، وهو يقول «الحقيقة تسير ولا شيء سيوقفها««.
لماذا هذا الكلام التقديمي في قصة تجمع ثنائيا يضم دولتين، هما مالي والجزائر؟
للأسباب التالية، ولي أجر التخطيط فقط:
لقد رفضت السلطات العسكرية المالية أن تكون« دولة مالي الحديقة الخلفية للجزائر«، وأعلنت تبعا لذلك الانتهاء بالعمل باتفاق الجزائر 2015 بين الفصائل المتناحرة بينها أو التي تتناحر مع السلطة المركزية في العاصمة.
تعني العبارة في العرف الديبلوماسي وقاموس العلاقات الدولية امتدادا جغرافيا تعتبره قوة جيوسياسية معينة جزءا من دائرة النفوذ الحصرية لها ! أو ما يسميه المغرب عادة »المحمية«!
ولعل العبارة تنهي وضعا جيوسياسيا طال أمده، باعتبار أن الجزائر قوة إقليمية وأن لها الحق في أن تتعامل مع مالي كما تتعامل أمريكا مثلا مع الدول اللاتينية…
إنهاء هذا الوضع رسالة على نهاية النفوذ الجزائري الواقعي أو المفترض، والذي خلقته أوضاع متشابكة منها أدوار فرنسا في مالي وفي دول الساحل.
البيان العسكري، وهو كذلك في توضيح حدود الديبلوماسية، أنهى »حصان طروادة« الجزائري، والمتمثل بالفعل في اتفاق الهدنة الذي تم توقيعه بالجزائر، والتي كانت تعتبر بأن الدخول إلى مالي رأس حربة دول الساحل والامتداد الطبيعي لشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، يعطيها الحق في أن تتصرف كما تشاء، وتدخل من باب اتفاق السلام إلى تدبير الحرب الأهلية…
ثانيا، هذه العبارة تسقط الخطة الجزائرية في أن ترفع في وجه الدول استثمارها الوحيد الذي تجيده وتبدع فيه، وهو الاستثمار في …الانفصال!
ولعل التعابير الأكثر قسوة هي تلك التي تعتبر الفرقاء الذين اجتمعت بهم قيادة الجزائر إرهابيين وانفصاليين، وتبني عليهم الديبلوماسية المالية مقارنات غنية بالعبر والدروس، ماذا لو تصرفت مالي تصرف الجزائر واستقبلت المطالبين بالحكم الذاتي فيها أي قبايل الجزائر؟
وهو نفس السؤال الذي طرحه المغرب بصيغة أخرى على الجزائر أمام المنتظم الدولي وعلى لسان عمر هلال ؟
أي ماذا لو تعاملت الدول، التي تستثمر فيها الجزائر فائض التوتر، بنفس المعاملة وبشعار الجزائر المفضل» المعاملة بالمثل ؟ واستقبلت أيضا كل من يعارض؟
النقطة الثالثة، التي تحيل عليها مواقف العسكر المالي اليوم هو أن البلاغ يقطع شعرة معاوية مع دولة ترفض لمالي ولدول الساحل أن تكون لها سياسة مستقلة، ولعل النخبة العسكرية في دولتي مالي والنيجر، وغدا ربما موريتانيا والتشاد، صارت تعرف بأن خروج فرنسا كان أكبر خسارة للجزائر، وأن تفويض قصر الاليزيه بباريس لقصر المرادية بالقيام بأعمال التدبير المفوض لن ينجح ولا بد أن تأخذ الدولة الشمالية حجمها الحقيقي وتحترم سيادة الدول ووحدتها الترابية وتطورها الديموقراطي؟
النقطة الرابعة هي أن المغرب، الذي يقدم عروضا تنموية وسلمية ويحترم المؤسسات الخاصة بكل دولة، في طوره إلى إحداث تغيير جذري في المنطقة الغرب أطلسية في إفريقيا، وفي قلب القارة «نيجيريا»، بدون الدخول في منافسة عقيمة مع الدول الشرقية، إنه يخلق وضعا جيوسياسيا عن طريق سياسة التعاون والمعادلة الرابحة لكل الأطراف ووضوح الرؤية في العلاقات الدولية اليوم…
عبارة الحديقة الخلفية غنية بالدلالات في السياسة غرب إفريقيا وفي السيادة والوعي بها، ومن المحقق أن إعلان ذلك عنوان للتحول في العلاقة بين مالي والجزائر لن يقف هنا…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 27/01/2024