الحذر ضروري، لا الهلع! هذه مرتكزات قرار منع القادمين من الصين

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

بعد ثلاث سنوات من ظهور فيروس كورونا للمرة الأولى، الواضح أن مرحلة ما بعد كوفيد 19 التي بشَّر العالم بها نفسَه، لن تكون غدا، على الأقل بالنسبة للمغرب الذي سيشرع ابتداء من يومه الثلاثاء 3 يناير 2023، في منع جميع المسافرين القادمين من الصين من الولوج إلى تراب المملكة .. والواضح أن القرار مرتبط بتطورات الوضع الوبائي في بلاد العم ماو، والذي تتضارب الأخبار حوله، حسب الجهة مصدر الخبر…
قبل التفصيل في مركزات القرار من خلال محتويات البيان الصادرعن الوزارة المعنية، نبدأ بالقول إن دولا كثيرة اتخذت إجراء مماثلا، تقريبا في توقيت متقارب، فقد تحدثت تقارير إعلامية عن قيود يواجهها المسافرون القادمون من الصين عند دخول أكثر من 12 بلدا بعد انضمام أستراليا، الأحد الماضي، إلى الولايات المتحدة واليابان وكندا والعديد من الدول الأوروبية، التي أصبحت تطلب إبراز اختبار سلبي للفيروس قبل الوصول إلى مطاراتها، في حين تتجه أوروبا إلى موقف مماثل، وعموما فإن كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان قررت شروط سفر جديدة تفرض على الوافدين من الصين، منها إبراز اختبار لكوفيد نتيجته سلبية أو الخضوع لاختبار عند الوصول.
ومبررات هذا القرار تتلخص في رفع الصين للإجراءات المتعلقة بحرية تنقل شعبها، وتزامن القرار مع الموسم السياحي بالنسبة للصينيين الذين يغتنمون سنة «الأرنب» للسياحة والتجول والتعرف على العالم، ثالثا لأسئلة الاستفهام التي تطرحها المطبات الصحية الدولية حول حقيقة الوضع والأرقام التي تعلن رسميا في «إمبراطورية الوسط.»
وعليه فإن مركزات القرار المغربي من خلال مضامينه توحي لنا بما يلي:

1 – الطابع الاضطراري للقرار ‫:‬

باعتبار أنه قد أملته المتابعة عن «كثب، خلال الأسابيع الأخيرة، تطور جائحة كوفيد بجمهورية الصين الشعبية»، وقصد تفادي موجة جديدة من العدوى بالمغرب وكل تداعياتها…
ومن يتابع تصريحات الرئيس الصيني يجد صدى مسبقا لما ورد في البلاغ، فقد صرح في خطاب متلفز بمناسبة العام الجديد «تدخل الوقاية من الوباء ومكافحته مرحلة جديدة. وما زلنا في وضع صعب»، لكن «بارقة الأمل أمامنا»، وهو ما يعني أن الصين تتحمل مسؤوليتها في ما يقع داخل حدودها وتتفهم صعوبة الوضع على دول غيرها.

2 – الطابع الاستثنائي للقرار

يرتبط «ولا شك بتوترات الوضع، كما أن حدود تأثيره تظل في حدود أبعادها الصحية. بحيث ركز البلاغ الصادر على «أنه قرار لا يؤثر بأي حال من الأحوال على الصداقة القوية القائمة بين الشعبين والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، التي تظل المملكة متشبثة بها بشدة‫…‬»، والتأكيد على الطابع الاستراتيجي للشراكة يحمل مغزى هنا باعتبار أن دولا ما قد تكون لها حسابات في هذا الباب من تفرعات المنافسة الدولية أو التحدي الاستراتيجي الذي خلقته الحرب الأوكرانية الروسية..

3 – الطابع التشاوري للقرار

ومن المحقق أن الوزارة تدرج القرار في إطار تشاوري بمقتضى مضمون البلاغ نفسه، فقد تحدث بوضوح كبير عن «الاتصالات المنتظمة والمباشرة مع الطرف الصيني».
وهو ما يعني أن الصين ذاتها هي مصدر الخبر، وأن المشاورات والاتصالات مكنت المغرب من المعطيات التي بنى عليها قراره…
وقد أثبتت مصادر صينية مأذونة لكاتب هذه السطور أن التمثيليات الصينية أُخبرت من بكين بالقرار المغربي.
وهو ما يعطيه الطابع التشاوري العميق بين بيكين والرباط…
و من جهة ثانية، لا تتفق كل الأطراف المعنية على تقييم واحد، ففي الحين الذي تذهب بعض الهيئات والعواصم إلى «محدودية بيانات التسلسل الجيني الوبائي والفيروسي المتاحة»، لتبرير قرارها، تركن منظمة الصحة العالمية إلى اعتبار الإجراءات الاحترازية بأنها «مفهومة». وفي المقابل فإن الفرع الأوروبي لمجلس المطارات الدولي الذي يمثل أكثر من 500 مطار في 55 بلدا أوروبيا، قال «إن القيود ليست مبررة أو قائمة على أخطار».
هل يمكن للعالم أن يستعيد كل مخاوفه السابقة واحترازاته؟
في الواقع، إن الدراسات الرصينة تتجه إلى اعتبار أن نفس الفيروس، دائما، الذي أطلق من جنوب إفريقيا، هو الذي يصيب الصين حاليا، وكان قد أوقع انفجارا مهولا في الإصابات في 2021، وهو اليوم خاضع لتحور بسيط مختلف قليلا، وإذا كانت توقعات الضحايا في البلاد الحاضنة له مرتفعة فإن الهلع غير مبرر في الكثير من مناطق العالم.
بالنسبة لبلادنا هناك الطابع الاحترازي الذي أبان عن نجاعته في تدبر المرحلة الأولى والثانية والثالثة من كوفيد، إضافة إلى مناعته الجديدة، التي اكتسبها من خبرة تدبيرية وصحية في التعامل مع الوباء علاوة على ما تراكم لديه من عناصر السيادة اللقاحية والصحية، والتوجه الجديد في تطوير البنيات الصحية، وما يرتبط بها من تغطية ومن تأطير جديد.
ولا نغفل في السياق ذاته، المناعة الجماعية التي تحققت، حسب خبرائنا، والتي مكنت المغاربة من تجاوز أفق الاستحالة الذي تبشر به الأخبار، وإن كان العالم لن يخرج بدون آثار من هذه المرحلة…
القرار يحذوه الحذر بدون السقوط في الهلع، ويرتكز إلى موجبات الاحتراز والاضطرارية والتشاور…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 03/01/2023