الحكومة و«العراقيل المقصودة» مؤسساتيا

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عندما تصر الحكومة على إفراغ المؤسسات التشريعية من جوهرها، بواسطة التحكم الواسع في أشغالها، يجب ألا تتفاجأ من كون الطبيعة السياسية تخشى الفراغ ! هذا ما يمكن لمنظري الحكومة والمدافعين عن «شرعيتها« الانتخابية أن يفهموه ويتأملوه جيدا، في ما أورده الفريق الاشتراكي، القوة الأولى في المعارضة، فقد انتبه الفريق من خلال ما انفرط من الولاية الحالية إلى أن الهيمنة السياسية والبرلمانية للحكومة، كان من نتيجتها تقليم حقوق المعارضة، واضطر أن يعيد التأكيد على مواجهة كل أشكال هذه الهيمنة، ولعل الذين يتابعون المواقف يشعرون بعمق الإشكال الكبير في المغرب، بين حكومة تفرغ المؤسسات من أدوارها، وفي نفس الوقت يخرج وزراؤها للتباهي بكون النقاش الخاص بالأداء الحكومي ومصير الحكومة يتم في مواقع التواصل الاجتماعي أو في الشارع أو في أي فضاء غير مؤسساتي…
لقد عبدت الحكومة، بهيمنتها التي تخنق أنفاس الديموقراطية، الطريق للخروج إلى الفضاءات العامة، والفضاءات الخاصة، وتوسل الأساليب الجديدة في التواصل السياسي والاجتماعي للتعبير عن مواقف ضاغطة وأوضاع سمتها الأساسية الاختناق…
وهي فترة، فترة العطلة التشريعية لكي تتحمل نفسها وتتحمل علاقتها المؤسساتية.
لقد اقترفت الحكومة في السابق، عن وعي وعن نوع من العجرفة الحداثية، خطأ التواصل عبر الأفراد وعبر الشبكات غير المؤسساتية، وعن طريق المؤثرين وعن طريق أفراد لهم حضورهم القوي في المتابعة الافتراضية، ولا يمكن أن نعاتبهم على شهرتهم ونجاحهم، لكن في المقابل عطلت كل الوسائل المتعارف عليها ديموقراطيا في ذلك، من إعلام عمومي وصحافة تعددية تعبر عن المشارب السياسية والإيديولوجية في البلاد.
وكانت الحكومة تخلق العادة والمألوف التواصلي الذي سيحرقها..
الفريق الاشتراكي لم« يمضغ »كلماته ولا نمَّق عباراته بل أثار مسائل غايةً في الخطورة في الوضع الحالي للبلاد..
أولها
– الدفاع عن الحقوق الدستورية المخولة للمعارضة البرلمانية،
ثانيها
ـ الاحترام التام لمقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب،
ثالثها
ـ تحصين التعددية السياسية وحماية التوازن المؤسساتي …
إن الوضع يقتضي من الحكومة أن تحترم ملاحظات الفريق الأول في المعارضة وتتفاعل مع تنبيهاته وما سجل من مثالب تهم الحكومة…
طبعا خطاب الحكومة عندما يكون واضحا، يتراوح بين التخوين وبين الصمت المريب…
لقد اقترفت الحكومة في الدفاع عن نفسها، على الأقل، على لسان الرئيس المحترم لمجلس النواب، خطيئة التلازم بين استقرار الحكومة .. واستقرار البلاد!…
بين خطيئة التعميم والبحث عن المؤامرات الخارجية أو تعويضهم بالمرض العضال لكل من يعارض، وفي كل ذلك، أغفلت الحوار مع المعارضة،
لا نريد التعليق على هذا التلازم غير المستحب بين الاستقرار الحكومي واستقرار البلاد، وهو تجاوز بلاغي رهيب يحدث في البلاد تبناه حتى زعيم حزب معارض، كما لو أن البلاد مرهونة باستقرار الحكومة، والحال أن الحكومة يمكنها أن تتعمد زعزعة استقرارها لذاتها إذا ما أرادت أن تغير تشكيلتها وتغير تركيبتها مثلا، ولطالما تزعزت الحكومات بدون أن تدعي عن خواء أن البلاد تزعزعت…
على كل الموضوع يشكل هامشا صعبا في معادلة مؤسساتية لا تحظى بحقها في النقاش العمومي…
الحكومة عندما تتعمد الهيمنة المطلقة، فهي تخلق بالفعل الفراغ الذي يبحث لنفسه عن مسالك أخرى في أرض الله الواسعة…
لقد قام الفريق الاتحادي بواجبه وعدد الثغرات التي لم تعد مقبولة البتة، في سياق مأزوم ووضعية صعبة…
والسؤال الأصعب هو : ما معنى أن يضطر فريق المعارضة الأول إلى تسجيل التخلف عن الموعد الدستوري لعقد جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة في مجال السياسة العامة؟
وما معنى أن يضطر فريق المعارضة الأول إلى أن يذكر الحكومة، وهي في عز انشغالها، بالفضاءات غير المؤسساتية:
ـ بعدم تجاوبها مع طلبات المعارضة للتحدث في مواضيع عامة وطارئة، وغياب عدد من الوزراء عن جلسات الأسئلة الشفهية؟ وما معنى أن يكون المغرب في حالة غليان سوسيوـنفسي، وكل أسباب العيش تتعرض للتعرية لدى فئات واسعة من المغاربة وتكتفي الحكومة بتقديم عدد متواضع من الأجوبة عن الأسئلة الكتابية؟
إن الجواب يكمن في «العراقيل المقصودة»، التي أثارها ملك البلاد في خطابه الأخير، في سياق مخالف أثناء الحديث عن الاستثمار والعصا في العجلة بنية إفساد عملية كبيرة ومنتجة…
لقد تعمدت الحكومة إفراغ البرلمان من نَفَسه المؤسساتي والتعددي عندما لم تر ضرورة ديموقراطية في تفسير وضع مشاريع قوانين هيكلية وسحبها بدون أدنى حوار مع الشركاء الدستوريين في المؤسسة، وفضلت التحدث من خارج المؤسسات المخولة دستوريا لإسماع صوتها…الحكومة في توصيف النواب الاتحاديين، غيبت أي«إرادة لإعادة إيداع مشاريع القوانين التي سبق لها سحبها دون أدنى توضيح أوتشاور»!
وهي، حسب بلاغ الفريق، مشاريع ذات أهمية بالغة تهم مشروع القانون الجنائي، ومشروع قانون التغطية الصحية، ومشروع قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة ومشروع قانون المناجم«.
إنها صانعة الفراغ الديموقراطي بامتياز، وهي مسؤولة عن عراقيل مقصودة وبسبق الإصرار والهيمنة، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الفراغ السيد الهائل الذي ينتظر من يملأه…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/08/2022