الحَوْلي الإسباني: عندما كانت أكباشنا تغزو أوروبا!

عبد الحميد جماهري

يعيش المغاربة، والعبد الفقير لرحمة ربه منهم، حالة دوخة ذهنية وجسدية لا مثيل لها في التاريخ: فهم يشعرون بأنهم تعرضوا لنطحة كبش العيد…
ولم يشتروه بعد!
تصَوَّروهمْ وقد مادت الأرض تحت أقدامهم من شدة ضربة رأس كبش لا يُرى و….ما زال في علم الغيب!
إنهم يتحسسون رؤوسهم من أثر الضربة، كما يتحسسون باقي الأعضاء، ومنها الجيب الذي صار بقدرة الكبش عضلة حيوية من دم ولحم وعظم وعصب يشعر بالضربة القاضية كما هو حال الجمجمة عند ارتطامها مع قرني الكبش .
وهم في إصرارهم كناطح صخرة، يحاول المستحيل كما يقول معجم المعاني..
ومنهم النطيحة
وفيهم المنطوحة…
ومما لا يتناطح فيه كبشان أن الأمر تلاطم مثل الموج لما كان عام الناس هذا هو عام الحولي الإسباني .
في التقويم الآسيوي نجد الأعوام تصنف حسب الحيوانات، من النمر إلى الكلب، مرورا بباقي الثدييات والزواحف.
تقليد قد يغري المؤرخين المغاربة قريبا.
وكما كانت سنة الجاموس البرازيلي.. فهي أيضا سنة الحولي الإسباني..
في الذاكرة الإسبانية الممتدة في التاريخ، اتهمت قطعان الخرفان بأنها أكلت إسبانيا وقضمتها قضما..
وحسب حوليات التاريخ الإيبيري، بدأت القصة في القرن 12 الميلادي، وكانت هناك علاقة كبيرة في الأندلس بين تصحُّر إسبانيا وتعميم تربية المواشي، وعلى رأسها الخرفان، إبان فترة الاستعادة (روكينكيستاreconquesta) كما تسمى في الأدبيات المسيحية الإسبانية. ولإغراء الناس للانضمام إلى الحرب كانت ممالك الشمال المسيحي تشجع المنضمين والمعمرين بتوزيع الأرض المسترجعة من يد المسلمين…
وتم اختيار الكبش أو الخروف، لأنه أكثر مردودية، وهو إلى ذلك حيوان مقبول عند المسلمين أيضا، الذين يشكلون سوقا استهلاكية مفيدة وتحت الطلب …
شجع ذلك على تربية الماشية، وزاد من ترحال المزارعين والرعاة، وهو ما أثر سلبا على تربة إسبانيا وغطائها النباتي والغابوي، ولهذا قيل إن الخروف أكل إسبانيا..
توقفت القصة في البلاد بعد ستة قرون، وتم وضع قوانين (الميكستا أو المزيج)، التي تسمح بتجمعات المزارعين والمربين واستفادتهم من الحقول، بدون وجود أي حواجز تحدد مساحاتها، وتمنع بذلك الرعي والكلأ عن القطعان..
بعد إلغاء هذا القانون 1836 كانت إسبانيا قد صارت في جوف الماشية، وغاباتها تصحرت وبدأت سنوات عجاف..
ومن الفصول المثيرة للتأمل، أن التخصص الإسباني في تربية المواشي، وعلى رأسها الخراف والنعاج، تفاقم وتكسر أكثر مع مجيء الخرفان المغربية .. إيه نعم. ففي القرن 14 وصلت فصيلة» الميرينوس merinos»، والتي اشتقت اسمها من المرينيين، الذين حكموا المغرب وبعضا من الأندلس في تلك الفترة.. وحصل أن وصلت فرنسا نفسها، حتى أن باريز أقامت معرضا في مقر الأرشيف الوطني تحت عنوان مثير للغاية (حرب الأكباش: الميرينوس يغزو العالم من 1786 إلى 2021)! بل إن السويد استوردت هذه الفصيلة الدكالية في 1723 وأقامت لها مدرسة للرعاة، حفظكم الله!
وهو ما يمكن أن يفسر جزءا من هذه الألفة التي ربطها المغاربة مع الخروف الأندلسي، بالرغم من أنهم عادة لا «يتعاتقون» مع أي خروف أجنبي، ولهم أصالة حقيقية في وصف الكبش المغربي والحرص عليه.
فهي حكاية أكباشنا ردت إلينا ..
في الواقع لم أفهم النبوغ الحكومي إلا بعد أن قرأت قليلا عن الحكاية..
وتبين بالفعل أن الحكومة تستعيد الخروف المريني، بحكمة وباسم العولمة وقانون السوق والشراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي الحكاية أيضا أن إسبانيا التي قضمتها قطعان الماشية وعلى رأسها الأكباش، هي نفسها التي تمدنا بآلاف من رؤوس الأغنام بثمن قيل لنا بأنه في المتناول.. ولعل الكبش شعر، وهو يعود إلى أرض الأجداد، بأنه سيضحي بنفسه من أجل الذكريات، ومن أجل الوفاء لأجداده الذين خرجوا في العهد المريني..
الحكومة بتوجهها إلى الكبش الإسباني، كانت تدرك في الواقع بأنها تقوم بعملية حفظ للذاكرة وأيضا توثيق المِلْكية الحيوانية للخرفان والأضاحي الجديدة..
ولعلها تنوي غير ما كتبناه ولله أعلم!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 23/06/2023