الدرس الألماني في فهم الثوابت المغربية

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
نحن على دين ملكنا، نعتبر بأن النظارات التي يجب أن ننظر بها إلى العالم وغيرها هي نظارات الصحراء.
وعليه نسأل ما الذي كان لصالح المغرب في هذا الباب، ونرى أن ألمانيا استجابت للشرط الوطني، في الحقيقة ليس شرطا بل للحق.. في بناء التعاون الثنائي.
وفي هذا الباب تعطي الزيارة التي قامت بها وزير الخارجية الألمانية لبلادنا النموذج الحي والمثال المقنع لما تكون عليه الأمور عندما يتم احترام المغرب وسيادته ووحدته الترابية .
فقد جاءت النتائج شاملة، كما عبر عنها البلاغ المشترك بين الديبلوماسيتين المغربية والألمانية، وتجاوزت ماكان واردا في تحاليل كثيرة.
ولا شك أن الزيارة، تخضع، لا في توقيتها ولا في مضامينها ولا في ما أفرزته من أبعاد مستقبلية، للمناخ الجديد الذي يسود بين البلدين بعد الأزمة.
1 – هي رابع موعد بين البلدين، منذ الأزمة واستدعاء السفيرة وما ترتب عنها.
أول المواعيد كان عندما أعلنت الخارجية الألمانية في بيان لها أصدرته في 13 دجنبر أنها تدعم مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب . وهو ما ردت عليه السفارة المغربية بالترحيب مع انتظار الفعل الميداني!
أعلنت الخارجية المغربية أن المملكة «ترحب بالتصريحات الإيجابية والمواقف البناءة» لحكومة برلين الجديدة
وفي البلاغ ذاته أعربت المملكة عن الأمل في أن «تقترن هذه التصريحات بالأفعال بما يعكس روحا جديدة، ويعطي انطلاقة جديدة على أساس الوضوح والاحترام المتبادل.
. الموعد الثاني تمثل في الرسالة التي وجهها الرئيس الألماني في يناير 2022 ، بمناسبة السنة الجديدة، وهي رسالة ـ برنامج في الواقع، مست كل مناحي التعاون، لكنها كرست الموقف الألماني الذي انتظره المغرب من قضيته الوطنية.
ونذكر أن الرسالة أكدت بخصوص قضية الصحراء المغربية، أن ألمانيا «تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدم في سنة 2007 بمثابة جهود جادة وذات مصداقية من قبل المغرب، وأساسا جيدا للتوصل الى اتفاق..».
الموعد الثالث كان اللقاء عبر التناظر المرئي بين وزيري خارجية البلدين في 22 فبراير 2022 الذي صدر عنه بلاغ مشترك نص بالتحديد على تجاوز سوء الفهم….
الملاحظ أن تطورات الموقف لم تستهلك مدة زمنية كبيرة، ولا تطلبت مجاراة طويلة مع الوقت، بل تواترت المحطات إلى أن تم الوصول الى هذه المحطة المتقدمة.
الملاحظة الثانية وهي مرتبطة بالبعد السياسي في البيان المشترك، وفيه ما هو ذو صلة بالقضية الوطنية، وما له صلة بالمحيط الإقليمي والقاري .
والملاحظ أن هذه التطورات جاءت بعد خطاب الملك في غشت الذي ركز فيه على ضرورة الوضوح لبناء الشراكات واحترام السيادة الوطنية، وهو ما يعد انخراطا ألمانيا واعيا في هذا الأفق الذي يضعه المغرب، وتفاعلا معه بإيجابية وبإرادوية منتجة لا تستعلي على مطلب شعب وأمة في احترام سيادتها..
وعليه فإن تأكيد ألمانيا لاعتبار مخطط الحكم الذاتي أساسا جيدا لحل مقبول من لدن الأطراف ، يأتي تأكيدا للتحول الإيجابي لبرلين. كما أن موقف إحدى أقوى دول الاتحاد الأوربي يأتي بعد الخطاب الملكي الذي دعا الى المزيد من الوضوح..وليس صدفة أن ناصر بوريطة حيى» دور ألمانيا للدفع بعلاقات الاتحاد الأوروبي مع المغرب..»، ليس في الاقتصاد وحده، بل في الجيوستراتيجية..كذلك!
ومن ضمنه، إعلان الدعم القوي لمبدأ التعاون الإقليمي، والدور الهام لاتحاد المغرب العربي وهو تثبيت بند بمثابة اعتراف ومراجعة لا يمكن إغفاله في العلاقة الثنائية، لا سيما وأن ألمانيا كانت موضوع انتقاد بالكاد مبطن من لدن ملك البلاد في خطاب 20 غشت2021 عندما قال»:هناك تقارير تجاوزت كل الحدود. فبدل أن تدعو إلى دعم جهود المغرب ، في توازن بين دول المنطقة، قدمت توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية.«..
وهنا تلتقي الإرادة الألمانية مع إرادة المغرب، والتي تمثلت في تجديد الملك لدعوة التعاون اليد الممدودة الى الجارة الشرقية خدمة لأفق المغرب الكبير. وهو دعم ألماني واضح، بعيدا عن لعبة التقاطبات واللعب على حبل الخلافات الحقيقية والمفتعلة..
وفي الشق السياسي دائما كانت عبارات البلاغ المشترك ذات وضوح ساطع عندما جددت ألمانيا الدعوة الموجهة إلى جلالة الملك من قبل رئيس الجمهورية الألمانية الاتحادية، للقيام بزيارة دولة إلى بلادها،. وهو ما يعني أن الحوار الاستراتيجي الذي دعا إليه البلاغ المشترك بين البلدين، عقب زيارة وزيرة الخارجية، سيأخذ مداه مع الزيارة الملكية التي تلح ألمانيا وقيادتها على ضرورتها..
الملاحظة الثالثة ذات بعد اقتصادي تعاوني محدد المعالم بأجندات واضحة لا تعلن عن سقف النوايا فقط.
ولعل ألمانيا تحدثت بقوة كممثل الاتحاد الأوروبي عندما أكدت في هذا الباب على «مركزية شراكته مع الاتحاد الأوربي»
ودعت الى تسريع تنفيذ المشاريع التي تم تحديدها لفائدة المغرب..
واعتبرته ألمانيا «شريكا رئيسيا للاتحاد الأوربي ولها في شمال إفريقيا».
سيتجاوز التعاون سقفه الحالي، حيث توجد علاقات اقتصادية وتجارية مهمة بين المغرب وألمانيا، حيث احتلت هذه الأخيرة المرتبة السادسة في الميزان التجاري المغربي في عام 2021. واستوردت ألمانيا بضائع بقيمة 1.6 مليار يورو من المغرب، في حين تم تصدير سلع بقيمة 2.2 مليار يورو. وتوجد في مدينتي الدار البيضاء وطنجة ممثلية لما يقرب من 300 شركة برأسمال ألماني. ويعد المغرب أيضا وجهة سفر مفضلة عند السياح الألمان.
كل هذا وتركزت العلاقات في مجالات مهمة بالنسبة للمغرب منها الانتقال الطاقي ومذكرة تشجيع الإصلاحات في 2019 مهمة للغاية..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 27/08/2022