الدستور المغربي.. أزمة الحكومة وصلح الحديبية

عبد الحميد جماهري

تلبدت، في فهم التطورات السياسية للمغرب، تراكمات التراث السني، والدستور، وتأويلات التنظير اليساري، ما أفرز تراكبا غير مسبوق في محاولة تفسير المرحلة. ففي التراث، كانت محاولة ربط «التنازلات» المقدمة من رئيس الحكومة الجديد، سعد الدين العثماني، بدل الرئيس الأول، عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الفائز في انتخابات 7 أكتوبر 2016، إلى الإحالة، من نائب رئيس الحزب، سليمان العمراني، إلى «صلح الحديبية» قد أدت:

إلى تعليقات واستنفارات إعلامية وسياسية وتدوينية، من أبرزها تعليقات الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، إلياس العماري، المرتب ثانيا في الأحزاب المغربية منذ 7 أكتوبر، والأول في المعارضة.
عدم انجذاب «كتائب فيسبوك»، وغير قليل من نخبة الحزب الإسلامي إلى قاموس سليمان العمراني «المقدّس»، واحتمائهم، في مناقشة الخطوة التي أقبل عليها العثماني، بمسوّغات السياسة والدستور والتحالفات وقاموسها «المدنّس»، وهي سابقة في تاريخ التداول العلني من بين جدران التنظيم الإسلامي.
وفي الدستور: كان الاحتكام الملكي إلى نص الدستور وروحه، كما ورد في بلاغ (بيان) إعفاء رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، قراءة ملكية لتأويل الاستعصاء الذي حدث في خروج حكومة بنكيران.
وهي المرة الأولى التي يتم فيها إعفاء رئيس حكومة، واستبداله بآخر من الحزب نفسه، من دون الضرب صفحا عنه تماما، على الرغم من الإمكانات التي يسمح بها الدستور لملك البلاد في البحث عن مخرجاتٍ أخرى.
وكان النقاش الدستوري قد استأثر بجزء كبير للغاية من نقاشات الفضاء العمومي، قبل أن
يتدخل الملك، ويؤوله باتجاه احترام «الشرعية الديمقراطية» لصناديق الاقتراع، والمنهجية التي جادت بها تعديلات 2011، والمتفق عليها في استفتاء فاتح يوليو من السنة نفسها.
ولم يسلم الوضع السياسي من اعتماد التأصيل الإيديولوجي للنظر في الفعل الحكومي، على قاعدة الالتزامات اليسارية لأصحابه، وهو فرزٌ ما زال يغذّي جزءاً من النقاش العام وجزءاً من النظـر إلى احتمالات تطور التجربة المغربية، في التعايش داخل الدولة بين مكونات الحقل السياسي برمتها.
وبهذا، يجد رئيس الحكومة الجديد نفسه في دوامة تقاطعاتٍ غير مسبوقة، كما يجد المحللون وأصحاب القرار أنفسهم أمام معادلةٍ غير مسبوقة. وقبل ذلك، كان عليه أن يقدم، حتى قبل تعيينه، قراءته لحصول التعثر الكبير في خروج حكومة بنكيران. وقد كتب العبد الفقير لهداية ربه، في تحليل ما ذهب إليه العثماني، أن الأخير سبق أن صرّح إن ما تعرفه المفاوضات، والتي كان يقودها الأمين العام لحزبه، عبد الإله بنكيران، «شيء طبيعي»، باعتبارين:

المقارنة مع ما تعرفه وعرفته الدول في محيطنا القريب، من قبيل المملكتين الإسبانية والبلجيكية، وبالتالي، فإن الأزمة، وقد نطق بالفعل الكلمة، من ضرورات التفعيل السليم للتفاوض. الوضع في تدبير الطموحات السياسية أصبح مفتوحا وموجودا لدى الفاعلين كلهم، أو ما سماه «التنافس» في الوجود في مركز القرار سمة تجمع بين كل المكونات.
وقد كان الفهم الذي تبناه العثماني معادلة تجمع بين مشروعية الأزمة وشرعية التنافس. وهو بذلك قد عبر عن مفهوم يخرج، على الأقل في التداول السياسي، عمّا تم توصيف المفاوضات به طوال خمسة أشهر، أي مقولة «بلوكاج» المستوردة من الفرنسية، بمعنى الانحسار.
وأن يكون الرئيس المعيّن هو من أطلق توصيف الأزمة في تشكيل الحكومة، في وقت سابق، لترسيم وجودها في البيان الصادر عن الديوان الملكي، فذلك يعني أنه يبدو أن هناك إغراء خاصا في توضيح الأزمة باللجوء إلى أنظمة ملكية أوروبية، خرجت من زمان من الامتحان الدستوري للسلطة إلى التدبير الدستوري للديمقراطية. وهو إغراء ثابت في حقيقة التناول المغربي، وليس وليد الأزمة الحالية، بل ظل دوما أداة إقناع للملك الراحل، الحسن الثاني، بأن الديمقراطية، على الرغم من أزماتها، إلا أنه فيها تكمن قوة الملكية الحقيقية، وأن النظام سيربح الكثير بوجود ملكية ديمقراطية ودستورية متكاملة الأركان.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 31/03/2017