«الدوار» كوحدة تثبيت نفسي وسياسي وانتقال عمراني ما بعد الزلزال
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
قبل الزلزال كانت المناطق التي تعرضت لضربة الطبيعة تعاني من الإجهاد الترابي، «stress territorial»، بما هو اختلال كبير في وجود الموارد المعيشية الكريمة، والاختلالات المجالية، وما بعد الزلزال لابد أن يتجاوز المعالجة الفورية أو الترقيعية التي تبحث عن العودة إلى النقطة التي وجدَنا عندها الزلزال.
لابد من الارتقاء، كما ورد في بلاغ الاجتماع الثالث الذي ترأسه ملك البلاد، إلى تقديم نموذج للتنمية المندمجة والمتوازنة.
وفي أفق هذا الترقب الماكرو تنموي، يتحدد من جديد دور «الدوار» باعتباره الخلية الأولى في بناء الديموقراطية كما في بناء التنمية، والدوار وحدة ترابية فيها يجب أن تلتقي السياسات العمومية.
ومن المفيد أن المغرب استبق هذه الحاجة، ليس من زاوية أنثروبولوجية أو ثقافية معينة، بل من زاوية الأفضليات بله الأولويات التي تتطلبها الفلسفة الجديدة لتنمية التراب الوطني.
نتفق أن التطلع إلى أفق أوسع من الوقوف عند الحد الأدنى من الإعمار، والحد الأدنى من التأهيل، صار يستوجب تجاوز السقف الذي وجدَنا عنده الزلزال.
نحن أمام إجبارية العودة إلى الدوار كوحدة أساسية في تكييف فلسفة السياسات العمومية.
نحن متفقون أن عدد الدوارير التي ضربها الزلزال كبير، هناك حديث عما بين 8 آلاف و9 آلاف دوار وهو اتساع مجالي وبشري مهم للغاية، ولعل شساعته كانت سببا في ارتفاع عدد الضحايا، كما كانت هذه الهشاشة في قلب الصعوبة في المعالجة الفورية بالرغم من التقدير الدولي للقدرة المغربية على الاستجابة لأوضاع غير مسبوقة كالزلزال.
ومن هذا الباب كان الزلزال امتحانا في الواقع لدور الدوّار في السياسة التي ترتبط بالعالم القروي…
علينا أن نتدبر بعقلية غير استعجالية المذكرات التي وضعتها اللجنة الملكية للنموذج التنموي، من قبيل بنيات تمثيلية تتمثل في إحداث لجان على مستوى كل جماعة، تضم ممثلين عن مختلف الدواوير…
ولعل من المصادفات المجدية أن اللجنة قضت أياما في الدواوير التي اشتهرت في الزلزال، كما هو حال دوار ثلاث نيعقوب وآسني، وهو ما يجعلنا نخمن بأن المغرب يتوفر اليوم على بنك للمعلومات وتحليل متقدم لوضعية هذه الدواوير، ولربما كان سيشرع في تطبيق بعض منها، وأن الزلزال سرع ويسرع منها…
أمام المغرب المعالجة الفورية للآثار المترتبة عن الزلزال، وبعدها الانتقال إلى تحقيق ربط قوي وهيكلي ومؤسساتي بالمستوى الوطني للاستفادة من الخدمات وأسباب العيش الكريم…
لا بد من الانتقال إلى المعايير التي تحكم الإنتاج ذي الآثار المتوسطة والطويلة الأمد على السكان.
ثانيا، يقتضي العمق الجديد للمعالجة الطويلة المدى على خمس سنوات، أن يكون حضور الناس إجباريا في بناء المستقبل.
لا يمكن أن ينوب عنهم الآخرون، مهما بلغ حسن النية، لا المقاولون ولا السلطات العمومية المتعجلة لطي صفحة الزلزال، هناك مقتضيات ضرورية، وهي جديدة للتفكير في مآلات الدوار كوحدة ترابية وبشرية وحضارية وعمرانية في المغرب الحديث …
ولعل هذا الأفق هو الذي يفتحه المغرب، انطلاقا من بلاغات الديوان الملكي المتعلقة بتدبير الزلزال وما بعده.
* أولا، تفادي الاغتراب العمراني بعد الزلزال كما قد تغري بذلك السرعة في الإعمار ووجود تجربة «حضرية» في العمل قد يقترحها المقاولون، ولدى المغرب تجارب معملية، التي جربت (في جامعة بنجرير نموذجا)،و تعمل بالأدوات المحلية ضمن أفق عمراني تُدرج فيه مضادات الزلزال.
* ثانيا، ضمان فك العزلة، عبر برنامج وطني للطرق والجسور والأنفاق بما يحقق الانتقالات الجغرافية والاقتصادية والمالية، بدون هدر رمزي وروحي للأمكنة…
* ثالثا، التأكد من صدقية التوفر على بنك معلوماتي ونظام محلي عبر إحداث مرصد خاص لجمع المعطيات على مستوى كل دوار…
* رابعا، الإسراع في إحداث المنصات الجهوية للمخزون الاحتياطي الضروري، استعجاليا واستراتيجيا، كمخطط لتوفير أسباب الفعل الفوري عند الكارثة لا قدر الله، في كل الجهات مع كل الدواوير، و قد تختلف من جهة إلى أخرى اختلافا يمس فيزيونومياتها ومكوناتها الاجتماعية وضرورات التفاعل الاجتماعي بينها….
فالدوار هو كذلك وحدة تثبيت نفسية، في كل الأجيال والمناطق، فما زال «دوار اولاد عمارة» بالنسبة لي هو مهد الروح، ومهوى الخيال والذاكرة، كما أنه تثبيت فضائي للهوية الذاتية والجماعية….
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 23/09/2023