الذاتي والموضوعي في الاحتفال الرسمي بالسنة الأمازيغية

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هي السنة الرابعة بعد السبعين من بعد 29 قرنا مروا على بداية التقويم الأمازيغي، وهي السنة الأولى في الاحتفال الرسمي برأسها يوما وطنيا يستريح فيه الناس وفيه يعصرون…
ولعلها من المصادفات السعيدة أنها ترتبط بيوم خالد في التقويم الوطني السياسي، وهو يوم التف المغاربة، بكل مكوناتهم، من أجل تحرير أرض الجد أمازيغ، المتعدد الهويات والمنابع، يوم 11 يناير .
ولعلها من حسن المصادفات سنة أولى عطلة أمازيغية وسنة أولى على رأس المجلس الأممي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة ما من شك أنها تكريم للهوية الأمازيغية للمغرب من خلال المصالحة مع مكون جوهري فيها، منذ بداية العهد الجديد، كان أحد عناصر التحفيز الدولي على تتويج مسارات المغرب الحقوقية:من القرار. السياسي، إلى التمكين الثقافي والتعليمي وإلى الدسترة الحاسمة وصولا إلى الانتماء الواضح والشجاع إلى الأفق الإنساني الكوني، لغويا وثقافيا ودستوريا، وغير ذلك من عتبات الانتماء إلى هذا الأفق الكوني.
حقيقة الوضع أن هذه الخطوة، في تعريف تعددية الهوية حررت الكيان المغربي من الكثير من الاستعصاءات ومن الأسلاك الشائكة، ومن المُواضعات الفكرية وغير الفكرية…ومكنت المغرب من فضاءات أوسع في عيشه للحرية، ومن ذلك أن خطوته في المصالحة مع مكون جوهري من هويته، وتفعيل كل الترسانة الحقوقية بخصوصه، جعلت منه تجربة في عدم السقوط في الاستحالات التي يفرضها المنطق المسدود والمغلق في تعريف الهوية، وجعلت له مكانا بعيدا عن الأفق المسدود الذي تسقط فيه دول الدائرة العربية الإسلامية كلما طرح موضوع الهوية ووجهها الأمازيغي..طرحا يسعى إلى دستَرتها ومأسستها بما يليق بها…
إلى ذلك كان المغاربة يقدمون، في المعيش اليومي، معيشا خارقا للعادة، في التركيبة التعددية لهويتهم، في المغرب وحده، نجد أن المغربي الشلح يسميه أهله « العربي»، وهناك حكاية لمناضل اتحادي كانت وراء صناعة هذا التفرد المغربي في تمازج المكونات الهوياتية في ذات واحدة…
ولعلي لن أجانب الصواب لو قلت إن أول حروف »»التيفناغ«« رأته أعين الأجيال المغربية، منذ الستينيات إلى الألفية الثالثة، وفي الجغرافيا المغربية شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، كان هو وشم الجدة أو الأم ينزل أحيانا من الجبين، ثم ما بين الحاجبين، نزولا على حافة الأنف الأشم الرقيق ببقايا حمرته الزعفرانية، ثم يغيب عند منتصف العنق، ما بين» سبنية وبين إزار، ويتعرَّق دوما مثل عشبة «الأزير« في اليدين، ويشيخ معهما، ويخضر على جلد يابس وبشرة متجعدة…في الطفولة البعيدة للمغرب، الإنسية المغربية بلا حدود كانت تقيم في الما بين الجمال والهوية .. والعلاج في الجسد الحر للجدات، تشغله الإبرُ كما يتم تخيلها، وهي تبصم بدبيبها مفازات جسد يحتفظ بلغة نسيت بدايتها( أيْ نسيت لحظة أن أوْشمَتْ وأبصرت أولها قبل أن يتيه في منجد اللغات)…
هذه اللغة الجسدية بأبعادها الهوياتية والتجميلية والعلاجية والروحية، سبقت، بطبيعة الحال، الوجود السياسي للنقاش حول اللغة الأمازيغية والثقافة الأمازيغية، سبقت الدولة نفسها، التي التحقت، بعد عقود من الزمن، بالدستور الذي كان مكتوبا في أطراف الجسد الأمازيغي بما يحفل به من أخاديد تركتها الحضارة الأم …
لسنا الأمة الوحيدة للوشم حقا، لكن الشمال الإفريقي صنع جسدا وشميا صارع النسيان طويلا.. ولعله صارع أيضا كل محاولات تحنيطه في مفهوم لاهوتي يجرح كبرياءه المتحررة. ولطالما أمتعتنا التداخلات الدلالية بحيويتها في قراءة هذا الوشم باعتباره إنتاج كتابة قديمة تستعصي شفرتها عن التفكيك، ولربما لا تعرفها سوى الجدات، اللواتي كنا نَراهنَّ وهن يتحدثن إلى الجن وسكان العالم الماورائي…
على كل، ما زلنا نتلمس استعادة كاملة، حقوقيا ومؤسساتيا، لهذا الثراء الأمازيغي في كياننا، بقدرة مغربية فائقة على التعايش والتساكن والإنتاج المشترك والجماعي للهوية الوطنية…لقد خضنا مسافة طويلة في عقلنا الجماعي من أجل أن نحقق الإنسية المغربية المتعددة المشارب…وتداخلها وانصهارها في ذاتها الموحدة و … أسكاس أمباركي ..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 13/01/2024