الرأس واليد والقلب: والحاجة إلى قدَرٍ وطني!

عبد الحميد جماهري

نشعر بأن هناك حاجة ماسة إلى تغييرعميق ، لكي نستطيع استعادة نوع من الطمأنينة في المستقبل، وفي قدرتنا على تجاوز الرعب العام الذي تبعثه الفيروسات الحالية..
تغيير شامل في السلوكات، في تصور العلاقات وفي ترتيب الأولويات..
نشعر بالمقابل، أن الطمأنينة في قدرتنا الجماعية على تجاوز الظرف الحالي، بدون خسائر كبرى، تتطلب نوعا من الاستقرارفي قيم معينة عميقة..كالتضامن والالتزام، والحكمة، وحب الآخرين، والروح الجماعية …إلخ.
إننا نشعر، بتلخيص، بأن تجاوز الأزمة -يمر أو قد يمر- عبر تحول وتغيير في المجتمع، أولا،وفي المعادلات السياسية التي يعيش بها ثانيا.
ومعنى ذلك، أن هناك ضرورة إلى تجاوز الأزمة المتعددة الأشكال عبر تحقق الإقلاع الاقتصادي، وقبله الصمود ثم النهوض أي صمود اقتصادي، نهوض اقتصادي ثم إقلاع..
هناك قطاعات بكاملها قد جثت، خلال ما قطعناه في طريق الأزمة، على ركبة واحدة، وهي تتخوف أوتترقب أن تجثو على الركبة الثانية، إذا ما كانت هناك ضرورة جديدة للقرارات الصعبة المرتبطة بالحجر الصحي الشامل..
قطاعات من قبيل السياحة، والنقل الجوي، والفندقة والمطاعم ، دون الحديث عن الثقافة والصحافة والرياضة والسينما وغيرها من القطاعات المرتبطة بالحدث الرمزي واللامادي.. التي تجد نفسها في إنفاق بدون حساب، والشيئ الذي يزيد من مضاعفات المديونية ويتجاوزها إلى آفاق غير مسبوقة..
قد يقول كثيرون إن هوامش محدودة، مازالت أمام الدولة في ما يخص الشق التدبيري للأزمة، الشق المتعلق بالاقتصاد وإنقاذ الإقلاع..
يبقى أن الشرط الثاني لتجاوز مضاعفات الأزمة، مرتبط بتغيير في طبيعة العلاقة مع مؤسساتها وسياستها..
عودة «الثقة»، قد يبدو المصطلح أكبر بكثير مما هو مطلوب.فالثقة، في حدود كبرى توجد من خلال التسليم للدولة في تدبير اليومي وتدبير الجائحة وانتظار مبادراتها.. إذا شئنا، أي السياسيين والممثلين للأممية..ثم إعادة الثقة وتثبيتها..في كل المناحي المؤسساتية..
نحن أمام معادلة لن جزء منها يحله التواضع أمام هول الأزمة وهول المسؤولية، وليس التطاووس الفارغ من طرف نخبة تعتبرأن وضعها الحالي هو الحل!!
في كتابه الجديد، «الرأس، اليد والقلب»، يسرد الباحث الفسلفي الإنجليزي دافيد غودهارت قصة زميله وربما أستاذه في التفكير الأمريكي ماثيو كراوفورد، إذ يقول «إن ماثيو كراوفورد الفيلسوف الأمريكي الذي استشهد به باستمرار، غادر مختبر الأفكار، لأجل فتح ورشة لإصلاح الدراجات، يشرح لنا أنه وجد ان العمل اليدوي المتخصص، يتطلب مجهودا ذهنيا أكبر من عمله الفكري حول الفلسفة السياسية».
ولعل من دروس كتابه الأخير: «كيف نقرأ الغد» غدا. ويقول دافيد غودهارت: سيكون علينا استعمال دماغ أقل وتضامن أكثر»..
والذين يرون، دون أن يكون لهم دور في مراحل الأزمة، أنهم الذين يشعرون بأن المرحلة، هي مرحلة بروز رجالات الدولة الكبار، الذين يسعون إلى قدر وطني، وليس إلى نجاح وطني فقط**،رجال دولة يستطيعون أن يجدوا من بين كل المطامح المشروعة، في زمن الوضع العادي، أولويات الخروج إلى آفاق جديدة أقوى وأرحب ..
ولنا أن نتساءل بكل صدق وعفوية: هل النقاش العمومي الحالي، يشعرنا بأن المؤشر على بروز هذا القدر الوطني ورجالاته، أولائك الذين يضحون بالحسابات العادية من أجل الأفق الواسع والقدر الوطني المطلوب؟
لنا أن نشك عندما نتابع نقاشات يحتمي فيها جزء من النخبة بما حققته من مكاسب سياسية ، مفضلا اياها على ما قد تعيقه هذه المكاسب لكسب المعركة الوطنية الكبرى بتوحيد الجهود واستعادة الطمأنينة في القيم الجماعية، والتوجه نحو المستقبل على قاعدة مشترك وطني واحد، هو:دحر الأزمة الحالية واسقاطاتها…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/10/2020