الرباط ، حاضنة الرباعية الدولية للسلام قريبا ؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تتوفر العديد من العناصر لكي تبادر الرباط إلى احتضان الدعوة إلى اجتماع للرباعية الدولية لأجل السلام في الشرق الأوسط، وفي قلبها طبعا القضية الفلسطينية.
هذه اللجنة التي تأسست امتدادا لاتفاقيات السلام، بعد أن دخلت في منطقة تعثر عميقة، تعد اليوم الطريق الوحيد أو على الأقل، الطريق الفسيح لاستئناف الحوار السياسي ومسلسل التسوية.. وتعود آخر مرة التقى فيها مبعوثو الدول المعنية، إلى مارس 2021، عندما عقدوا لقاء عن بعد بسبب الجائحة لمناقشة العودة إلى المفاوضات ذات المغزى كما سموها، ولكن كان أقصى ما توصلوا إليه هو بيان يعربون فيه أن «اتخاذ إجراءات أحادية تجعل تحقيق حل الدولتين أكثر صعوبة».
لماذا الرباط، ولماذا اليوم ؟
أولا : اتضح ذلك، من خلال وجود عاصمة المملكة في قلب التداول الدولي بخصوص قضايا الشرق الأوسط، ولا سيما من خلال ما تقترحه رسائل الدول المعنية مباشرة بالملف الشرق أوسطي، خلال الأيام الأخيرة..
ثانيا: الاهتمام الذي عبر عنه قادة دولتين هامتين في عمل اللجنة، وفي تحركات السياسة الخاصة بالملف، وهما موسكو وواشنطن، حيث التقت الأمتان، من خلال الرسالتين اللتين بعثهما رئيسا البلدين بوتين وبايدن حول طرح الموضوع مع جلالة الملك، عبر رسائل التهنئة التي حملت في الواقع برامج عمل جيوستراتيجية مهمة ـ (انظر كسر الخاطر البارحة).
فقلما تلتقي نوايا فلاديمير بوتين وجو بايدن حول مخاطَب واحد، في ملف دولي، في زمن واحد أيضا هو عيد العرش، وفي تزامن مع لحظات سياسية تمثل منعطفا في قضية الشرق الأوسط، وتكتسي شكل توارد الخواطر الجيوسياسية في العاصمتين الموجودتين على طرفي نقيض..
وأعرب بوتين عن تطلعاته بأن “تطوير ( العلاقات الثنائية…) يمضي قدما في تعزيز الأمن والاستقرار بإفريقيا والشرق الأوسط”، وكما أن روسيا كانت قد دعت في يناير 2022 إلى انعقاد اجتماع هذه اللجنة بدون صدى كبير دوليا، ربما صار من المستبعد حصول تجاوب فيه بعد هجوم أوكرانيا والحرب الدائرة اليوم…
في حين شهد بايدن بأن “الشراكة الاستراتيجية والمستدامة بين المغرب والولايات المتحدة عززت السلام والأمن والازدهار في المنطقة..”. ولن تكون المنطقة إلا شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
إلى واشنطن يضاف الدعم الإنجليزي، كما عبر عنه وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا والأمم المتحدة، اللورد طارق أحمد لويمبلدون، في محادثاته مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة..
والذي أشار في تغريدة على تويتر، إلى أن التبادل الثنائي ركز على عدة مواضيع من بينها “الوضع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة”…
ثالثا: تعبير العديد من دول الاتحاد الأوروبي، باعتبارها ثالث عنصر من مكونات اللجنة الرباعية للسلام إضافة إلى أمريكا وروسيا والأمم المتحدة.. كتكتل أو عواصم أوروبية من قبيل إيطاليا وألمانيا، على دور المغرب في دعم السلام في المنطقة، ولا يمكن تصور معارضة الاتحاد الأوروبي لخطوة من هذا القبيل..
رابعا : وهو الأهم، قدرة المغرب، اليوم، دون غيره من العديد من دول المنطقة، على أن يكون همزة الوصل ومصدر الاقتراحات العملية، على ضوء الشرعية الدولية بخصوص العودة إلى المسلسل السياسي، فهو حقق ترتيب شراكات متعددة مع الطرف الإسرائيلي، وينتظر أن يحل رئيس وزراء دولة إسرائيل بالمغرب، وهي زيارة حدد ملك المغرب نقط أعمالها المتمثلة بالأساس في تطورات الوضع في المنطقة، وبين طرفي الصراع الأساسيين فيها، فلسطين وإسرائيل، في الوقت ذاته أعاد الملك التذكير بكون فلسطين جزء من هوية المغرب الاستراتيجية، في تدبير سياسته الخارجية، وهو ما التقطه رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، عند تعليقه على الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك بالقول إن “هذا الموقف يجسد التضامن القوي بين الشعبين (المغربي والفلسطيني) والالتزام بقضايا الأمة العربية، والعلاقة المتميزة بين فلسطين والمغرب التي هي علاقة ضاربة في التاريخ”.
لقد اتفق العرب في بيروت 2002 على خطة سلام مرت عليها إلى حد الساعة 21 سنة، وما زالت تبحث عن ساعي بريد يصل بها إلى الطرف المهم، ولم يعد مجديا أن يكتفي العرب بالمؤتمرات نفسها، وبالحديث إلى أنفسهم عن موضوع ليسوا معنيين به وحدهم بل هناك طرف ثان هو إسرائيل وطرف ثالث هو الرباعية الدولية للسلام ثم طرف آخر هو الملايير من المسلمين والعرب ومناصري الحق الإنساني..وربما تملك الرباط اليوم، كل خطوط احتضان تحريك مسلسل العودة إلى التفاوض السياسي، بعيدا عن الجعجعة، وبالإنصات إلى الممكن السياسي في المرحلة…
خامسا: لم يعد دور المغرب في خارطة السلام والتسامح والتعايش والقدرة على بناء الثقة في حاجة إلى دليل، بل أصبح موضع تقدير دولي لجديته وأفقه الرحب واتساع المستفيدين منه في العالم، وهذا رأسمال ثقة ونجاعة وجدية يمكن أن يساهم في طمأنة أطراف الصراع، ولا سيما بعد أن أثبت قدرته على تدبير سيادي مستقل في ملفات دقيقة وذات حساسية عالية من قبيل الحرب الأوكرانية والتوترات في إفريقيا ..
ليس حلما لكنه سؤال استشرافي :
لماذا لا تكون هي صانعة الحدث الفلسطيني، حول القضية الفلسطينية بعد أن صارت صانعة الحدث المغربي، حول القضية الترابية: فقد وضعتهما على قدم المساواة وعلى نفس المسافة من العقل والوجدان ؟!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/08/2023