الرباط ومدريد: نحو توأمة جيو ـ استراتيجية

عبد الحميد جماهري

ما يطمح إليه المغرب وإسبانيا، منذ أن تحددت قواعد التعاون على قاعدتي الحق والواضح، هو بناء توأمة جيوستراتيجية تذهب أبعد من تعاون وثيق أو شراكة متميزة.
على الأقل هذا ما يمكن استخلاصه من إرادة جلالة الملك محمد السادس ، في الدعوة إلى «مرحلة جديدة غير مسبوقة»، وإرادة الملك فيليبي السادس، من خلال دعوته إلى الدخول في شراكات القرن الواحد والعشرين.
والمحقق أن القمة التي انتهت منذ 24 ساعة كانت تحمل الكثير من ملامح الشراكات الاستراتيجية التي تتبناها الدول التي تحرص على تفاهم عميق حول المصالح المشتركة، ثم على تقارب القراءة لاشتباكات العمل الدولي راهنا ومستقبلا.
1ـ أعطى البلدان المثال الحي على أسبقية وسمو المقاربة الديبلوماسية التصالحية في حل الخلافات، مهما كانت حدتها، والتي بلغت حد الطعن في الظهر باستقبال زعيم ميلشيات الانفصال.
2 القراءة المتأنية للاتفاقيات، بالرغم من كون الوفد الإسباني يضم 11 وزيرا فقط، وليس الحكومة برمتها، تفيد بأن هناك مسحا واسعا وعرضانيا للقطاعات المهمة، والتي تحددت بناء على أولوية مشتركة، وهي مشاريع تتمحور على أهداف استراتيجية، لا تقف عند تعزيز التعاون الآني والرابح بين الطرفين، بل تتعداه إلى ما يتجاوز الراهن (الثقافة، الأمن، الطاقات المتجددة العلاقة مع الاتحاد الاوروبي)..
3 – التشديد ، لا سيما من الجانب الإسباني على استحضار التوأمة المؤسساتية للاتحاد الأوروبي والمغرب، كخلفية شبه إجبارية في المسعى الإسباني لإنجاح الشراكة مع المغرب، وقد تعددت التصريحات الإسبانية، لاسيما من طرف رئيس الحكومة سانشيز ووزير الخارجية آلباريس، من جهة الطابع الأورمتوسطي للنجاح المغربي الإسباني.
والتنصيص في البلاغ المشترك الصادر عن القمة، على التمسك بالحفاظ على العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي وتعزيزها.
وهو في الواقع خيار ذكي بالنسبة للمغرب للرد على مزايدات البرلمان الأوروبي، ومناسبة لكي ترد الدولة على البرلمان بدون أن تنفرد وزارة الخارجية بذلك..
4 ـ إصرار جلالة الملك على توجيه الدعوة إلى بيدرو سانشيز بزيارة المملكة، في عز أشغال القمة الرفيعة المستوى، يتجاوز تدبير غياب اللقاء بين جلالته ورئيس الحكومة، ويتجاوز اللباقة البروتوكولية التي تميز السلوك المغربي إزاء الأصدقاء، إلى الإيذان بأن الزمن السياسي للقمة لم يستوف بعد كل عناوينه، وأنه سيستمر في لقاء قريب بين الملك ورئيس الحكومة، تحت مظلة أوسع من الما وصلت إليه القمة.. وهناك قضايا لا بد أن تتم على هذا المستوى لاسيما ما يخص الحدود البحرية والقضايا الجمركية المعلقة منذ ما قبل الأزمة المشتركة..
5 ـ الإعلان عن الإرادة في جعل البلدين جسرا أورو إفريقيا، وهو أمر لا يتأتى بدون وحدة في التصور وفي التحليل لمجريات القارة، لا سيما في أقرب منطقة منها إلى إسبانيا ومن ثمة إلى أوربا، ونعني بها شمال إفريقيا، وما يتطلبه من تحديد المواقف بناء على سلوك الجزائر من جهة وسلوك فرنسا وإيطاليا من جهة ثانية.. ومجريات القارة بمجملها ولا سيما غرب إفريقيا والتواجد المغربي في عمقه بمشاريع تطال أوروبا (الغاز النيجيري والتواجد البنكي للمغرب).
6 ـ شمولية الشراكة الاستراتيجية بما فيه البعد الثقافي واللغوي، في خطوات غير مسبوقة فعليا.
وعلى هذا الأساس يبدو أن رسم الطريق المؤدي إليه (التوأمة الاستراتيجية) والشروع في تنزيل أبعاد عديدة فيه، لا يعني أنه يرضي بشكله الحالي كامل الإرادة الملكية المعبر عنها في ما سبق بعبارة “مرحلة جديدة غير مسبوقة”.. وهو ما يدل أن التسريع بتحقيق المرحلة بكامل وعودها هو الضمانة على سرعة الوصول إلى التوأمة الاستراتيجية.
إن التنسيب (من النسبية) هنا لا يعني بتاتا التشكيك في ما خلصنا إليه بل هو تحريض التاريخ على تسريع وتيرته، لقطع الطريق على مشاريع أخرى في المنطقة، وتعمل بمنطق الأسلحة وتسعى إلى عرض سياسي للتوتر وشحن الصراع في منطقة المتوسط، ومنها إلى جنوب الصحراء… إن التوأمة الاستراتيجية، هي التي تجعل بلدين حارسين للمتوسط باسم الجغرافيا وباسم التاريخ وباسم الجيوستراتيجية في لحظة انسجام عميقة تسمح بصناعة منعطف حاسم في المنطقة الأورومتوسطية..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/02/2023