الرد الأمريكي على الحرب الاستخباراتية الفرنسية ضد المغرب…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

كان جليا أن الزيارة التي قام بها ويليام بيرنز إلى المغرب ولقاء نظيره عبد اللطيف الحموشي، تربط بين الثابت، الذي تأسس بفعل تعاون عميق بين دولتي الولايات المتحدة والمغرب في مجال التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومة.. وبين المتحول حسب أحوال الطقس الإرهابي في العالم، والرهانات الاستخباراتية الدولية حوله.
فهي أولا، وحسب البلاغ، امتداد في تفعيل مخرجات الزيارة التي قام بها منذ أقل من سنة مدير الـ»ديستي» إلى واشنطن، والتي التقى وقتها بقادة الاستخبارات الأمريكية، ومنهم مديرة وكالة الأمن القومي السيدة ابريل هاينز، ومدير الـ»اف.بي .اي» أو مكتب التحقيق الفيدرالي كريستوفر وراي، وطبعا وليام بيرنز الجمعة الماضية.
ثانيا، قد تنضاف الزيارة، حسب أعراف التعاون الثنائي، إلى سجل الزيارات التي تهم دولتين على تواصل عميق وتعاون أكبر في مجال المعلومة الاستخباراتية ذات الصلة بمحاربة الإرهاب، وقد تعتبر فرعا من فروع تعاون أكبر ضمن منظومات أوسع (التحالف الدولي ضد داعش)، كما قد تندرج في سياق لقاءات ذات أهمية كبيرة، غير بعيدة عن الانشغالات الأمنية، ومنها الزيارة التي قام بها، يوم 6 مارس الماضي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، وهو سياق يجمع بين الديبلوماسي والعسكري والأمني والاستخباراتي، ولكن كونها تأتي بعد أقل من سنة على الزيارة غير المسبوقة التي قام بها عبد اللطيف الحموشي، إلى واشنطن، فمعناه أن هناك توترا يكتسي صبغةَ قلقٍ من تطورات الوضع في منطقة الساحل والصحراء.
ثالثا، يمكن لجدول الأعمال أن يظل هو نفسه، لكن السياق المباشر وحيثيات الأمن الدولي والإقليمي تعطيه طابعا خاصا، مرتبط بالمكان الثابت، وبالزمان المتحول. فقد ورد في بلاغ الزيارة «أن المباحثات الثنائية خلال هذا اللقاء تمحورت حول تقييم الوضع الأمني والمخاطر المرتبطة به على المستويين الإقليمي والجهوي، ودراسة التهديدات والتحديات الأمنية الناجمة عن توتر الأوضاع في بعض مناطق العالم، فضلا عن رصد واستشراف مخاطر التنظيمات الإرهابية، خاصة بمنطقة الساحل والصحراء»، ومن المنطقي، أن يكون الوضع الأمني إقليميا، وهو وضع لا ينظر إليه إلا من زاوية التموقع المغربي، باعتباره البلد المستقر والآمن والموجود في القوس الجغرافي المعني بهذا الوضع الموضوع تحت المراقبة، قاريا، ثم على مستوى امتداداته المتوسطية والشرق أوسطية، أي شرقا وغربا.
نحن أمام دائرة إقليمية تعني المغرب، بالضبط، وهي دائرة منطقة الساحل والصحراء، وما قد ينجم عنها من اتساع العنف في باقي العالم، وما يستتبع ذلك من انشغال دولي بطبيعة الحال، بفعل ما لهذه المنطقة من مركزية في إنتاج العنف وتصديره ، وبالنظر إلى تعدد الفاعلين فيها وما لرهاناتها المتشابكة من انعكاسات على الأمن الدولي.
الزيارة، بهذا المعنى، تحيين لأجندة التعاون الاستخباراتي، لكنها في الوقت الراهن حاملة لرسائل ومضامين لا يمكن القفز عليها، من باب موقع جهاز الأمن في ترصيد مكاسب المغرب، ومن زاوية أبعادها الجيوسياسية والجيواستراتيجية ..
فقد خرج منذ أسابيع قليلة زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو عبيدة يوسف العنابي على شاشات فرنسية ليعيد تجديد إرادة تنظيمه في تنشيط دورة الترهيب والمواجهة في بعض المعاقل التي تعتبرها فرنسا، مجالها الاستخباراتي الحيوي ،كما تعتبر الساحل والصحراء «مياهها» الإقليمية السرية، والحال أن أجهزة الدولة العميقة في فرنسا، تساهلت للغاية مع دعوات هذا الإرهابي، ومنحته مجالها السمعي البصري ودائرة إشعاعها الإعلامي، كي يَعْرض أجندة عمله الجديدة في القارة عموما وفي الساحل على وجه الخصوص.
ويبدو أن باريس سعدت بتصريحه الذي يقول فيه إن قاعدته «ستركز على القتال في إفريقيا ولم تجهز لأي عمليات على الأراضي الفرنسية»!
وما يهمنا كمغاربة أن الزيارة الأمريكية تقوم مقام الرد على فرنسا، لأن المنطقي أن نعتبر أن ما قامت به فرنسا إزاء القاعدة لم يكن عفويا، في وقت اتخذت الدولة العميقة في فرنسا، (الشريك الذي صار خصما)، وضعا هجوميا على المغرب الأمني الذي تتعاون معه أكبر دولة، وكان من مظاهر العداء ما فجرته من تهجمات، بدءا من الإعلام وأذرعه المهنية الغربية، ومن صفحات الجرائد وصولا إلى البرلمان الأوروبي، مرورا بمراكز البحث والتأثير، من معارك طالبت برأس الأجهزة المغربية.
كانت قضية بيغاسوس الوجه الإعلامي الأبرز في المعركة، ومن خلالها الهجوم على الرجل رقم 1 في مهمة حماية التراب الوطني، وهي مهمة تجندت لمهاجمتها، داخليا وخارجيا، هذه القوة وامتداداتها التي نسجتها طول عقود من «فرنسا الإفريقية»!
وليس سرا أن ذلك ارتفعت وتيرته بعد ما فشلت أجهزة باريس في التشنيع بالمغرب وأجهزته وتبخيس عملها وتشويه طبيعته، والذي حازت به على احترام القوة الرئيسية في الميدان عبر محور مركزي يمر عبر الرباط وواشنطن ومدريد..
وقد كانت الحرب في البرلمان الأوروبي وخلاصاتها، قد تم اختزالها في منع المسؤولين الأمنيين من دخول البرلمان، وذلك يعني الكثير حقا في مجال الانزياح بالحرب السرية إلى مجال عمومي هو البرلمان باعتباره فضاء أساسيا من فضاءات الديموقراطية التمثيلية.
وخلاصة القول بأن انتظامية التعاون، وارتقائه لأجل العمل على تحصين السلام الإقليمي والدولي، هو الرد العميق على تحرشات دولة فرنسا ومخابراتها، التي فقدت أي «حق للنظر» على عمل الأجهزة المغربية منذ زمان، ولم تعد لها «هوائيات» كما في العديد من مخابرات الشمال الإفريقي المعروفة..
ختاما، إن الأجهزة الفرنسية التي تعمل كل ما في وسعها «حتى لا يكون المغرب قوة إقليمية وتركيا شمال إفريقيا»، لا يمكن ألا ترى في جلوس أقوى جهاز مخابراتي في العالم، CIA ، مع جهاز المخابرات المغربية، حول جدول أعمال مشترك، على قدم المساواة والندية، رسالة لها ولمن يدور في فلكها وردا عليها بأحسن ما يجب.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/04/2023