الساحل والمغرب: الاقتصاد السياسي للسلام

عبد الحميد جماهري

لطالما كانت المقاربة الاقتصادية في قلب الاهتمام بالحروب والأزمات، سواء عند المنبع، أي معرفة أسباب الحرب لمحاولة تفاديها، أو من حيث معرفة عواقبها لتدبيرها.
ومن هذا المنطلق فإن المقاربة العسكرية التي سادت طويلا في معالجة شؤون دول الساحل يبدو أنها قد عجزت لوحدها عن سلك طريق التنمية والسلم والتعايش…
قد يجد العديدون في العنوان إحالة ضمنية على كتاب “جون كينز” عن العواقب الاقتصادية للسلام (1919) وما رافقها من شروط تاريخية، لكن في الواقع، المقصود هنا بالاقتصاد السياسي للسلام، هو الخروج من الحلقة المفرغة بين الحلول اللادستورية عبر الانقلابات، وبين الإرهاب، بين طبقة سياسية ضعيفة ومتناحرة، وبين الجيوش التي شعرت بأنها تركت لحالها في مواجهة المليشيات المسلحة.
علاوة على تجاوز التفاوتات والأزمات الداخلية داخل الوطن الواحد كما في العلاقة مع الأوطان المجاورة، علما أن خلق الصراعات هو الملجأ لمن لا يريد للسلام أن تكون له انعكاسات تنموية، مع ما يفرضه من حلول سلمية وتفاوض والبحث عن المشترك التنموي الذي يأتي بالخير…
في حالة المغرب والساحل نحن لا نقارب وضعا من خلال خطاطة، بل لم تمر سوى أسابيع قليلة منذ خطاب المسيرة الخضراء، حتى رأت إحدى دعائمه الجيوسياسية، والمتعلقة بدول الساحل، النور، وسارعت الأطراف المعنية بالمشروع الملكي إلى فتح الطريق نحو الأطلسي، لدول الساحل، في وضع الهيئة المؤسساتية والبنية المادية لتحويل الفكرة إلى واقع، من خلال أعمال الاجتماع الوزاري التنسيقي بشأن المبادرة الدولية لجلالة الملك محمد السادس لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي…
في المشهد الأول ترمي المبادرة الملكية إلى فك العزلة عن منطقة من أربع دول هي تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، تركت لحالها ولأشباحها الشريرة، متأرجحة بين الإرهاب والانقلاب…
وقد تُركت لهذه العزلة القاتلة ليسهل اقتيادها وفرض الحلول عليها بدون قدرتها على ممارسة سيادية تحررها من رهانات الفاعلين الدوليين، وظلت مشاريعها بلا أفق، وآفاقها بلا معنى …
وبناء عليه فإن ما يسجل هو كون:
1 – الدعوة الملكية محكومة بتقدير استراتيجي، لا ينحصر مدلوله في المعالجة الأمنية والعسكرية فقط للمشاكل التي يتخبط فيها الشريط الممتد من موريتانيا إلى تشاد مرورا بمالي وبوركينا فاسو والنيجر…
بل إن خطاب الذكرى 48 للمسيرة سطَّر بشكل أساسي على الحاجة إلى» اعتماد مقاربة تقوم على التعاون والتنمية المشتركة«، تكون قاعدتها الجدع المغربي ـ الساحلي لكنها تطمح إلى ما هو أبعد قي قيامها، وفي هذا يجب أن نشير إلى أن الدعوة الملكية:
ـ تتحدث عن مبادرة دولية، أي تتطلب الشراكة مع أطراف فاعلة في المنطقة أو فاعلة في المجال الأفرو أطلسي المقترح على الدول التي لا تملك متنفسا بحريا لنفسها…
ومن هنا يمكن أن نذكر، من باب المثال لا الحصر، الدول التي لها حضور في الدول المعنية، ونقصد بها روسيا ، أو التي لها إسهام قوي في الاقتصاد الأطلسي مثل كندا والولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي عبر واجهته الأورو ـ أطلسية، باعتبار أن التفاعلات التي تحدث في الساحل لا يمكن أن تظل آثارها بعيدة عن دول أوروبا ولا سيما منها دول الحوض المتوسطي منها…
ولعل من حُسن الأجندة أن اجتماع مراكش تزامن مع القمة العربية الروسية، وما تفرعت عنه من اتفاقيات وأيضا من آفاق لروسيا وللدول العربية المعنية بالنشاط الإفريقي والإفريقي الأطلسي على وجه التحديد.
ـ المبادرة والمسارعة إلى تنفيذها تجعل المغرب مخاطبا دوليا في ما يخص المنطقة الأكثر التهابا في إفريقيا، وهي لا تقوم على أساس فرض أجندة معينة سواء في العلاقات الدولية أو في ما يخص الشأن الداخلي، كما هي مقاربة تقطع مع منطلقات دول مثل فرنسا كانت تعتبر أنها وصية على التطور الديموقراطي في هذه البلدان، كطريق للتحكم في ثرواتها، وكان ما كان من رفض لها وتمرد عليها، كما على مجموعات مثل “السيداو” التي قررت بعض العقوبات ضد الدول التي تغيرت فيها الأنظمة عن طريق الانقلابات، أو بطرق غير دستورية، كما تقول بلاغات الاتحاد الإفريقي.
ـ المبادرة الملكية تضمنت مساهمة واضحة من طرف المغرب لتوفير شروط الانطلاقة، من خلال ما ورد في الخطاب الملكي من كون «المغرب مستعد لوضع بنياته التحتية والطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة تلك الدول دعماً لهذه المبادرة».
وهنا تقف الحقائق العصية التي تعيشها الدول المعنية لتعطي كل الحجم والأهمية لهذا التوسع المغربي، فنحن أمام تكتل إقليمي، يعيش أزمة متراكبة، يتضمن وجودها العديد من نقط الهشاشة وعدم الاستقرار من ضمور الدولة والإرهاب والحركات المسلحة والهجرة المكثفة والفقر المدقع للساكنة، حسب كل مراكز الدراسات، التي تضيف الإرهاب أيضا الذي يهدد الوحدة الترابية ..وبخصوص الأراضي الوطنية فالحدود بين هذه الدول تكاد تنعدم مما يزيد من صعوبة بسط نفوذ الدول…
ولعل التعاون بين دول الساحل سيجد في العرض الجيوسياسي المغربي فرصة، ليست فقط للحصول على نافذة أطلسية، بل أيضا للتعاون بين دوله في تحديد المشتركات الضامنة لنجاح المبادرة..
ـ تأتي المبادرة في وقت تم الإعلان فيه رسميا عن وفاة مجموعة دول الساحل الخمس، والتي عملت الجزائر كل ما في وسعها كي تكون لها حزاما جغرافيا وسياسيا توجهه ضد المغرب.
ولعل المبادرة أيضا تفشل مخطط «الحصار» الجغرافي والسياسي الذي أريد للمغرب، كما تعزز بها المنحى ذاته في الجوار المغربي، لا سيما مع التطور في العلاقات مع الجارة الشمالية…..
لكن الأهم في التنفيذ العملي لمبادرة ملك المغرب، هو أن الدول تجد إطارا للتعاون لا يخضع للتقاطبات الجيوستراتيجية التي تغفل مصالح الدول المعنية وشعوبها، مع استحضار الحدود الواضحة للاستراتيجيات الوطنية المنفردة في مجال الاقتصاد والأمن والتنمية…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 26/12/2023