السفر من الصخيرات إلى بوزنيقة، في خمس سنين!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عادة تقطع المسافة الفاصلة بين الصخيرات وبوزنيقة، في مدة زمنية من15 دقيقة، ولكن التواءات الديبلوماسية ومطبات الملف الليبي، جعلت كل وفد من وفدي النزاع يقطعها في …خمس سنوات!
حدث أول لقاء بين طرفي النزاع في الصخيرات سنة 2015، وتم ما تم من اتفاق، لكن بقيت بنوده، من أعقدها إلى أكثرها بساطة، حبرا على ورق.
في الطريق، نبتت أشواك جديدة، وأيضا تعقدت الأمور وتغيرت المعطيات على أرض الواقع، وظهر فاعلون محليون وإقليميون ودوليون جدد، وتعددت عواصم القرار..ومبادرات السلام الليبي -الليبي.
ولعل إحدى أبرز المبادرات الدولية كانت مؤتمر برلين، والذي تم فيه »شكر» المغرب على ..عنايته بالملف عبر …تغييبه فيه. نسينا، في غمرة الشعور بالخيبة، أن برلين 2020، تخفي غير قليل من برلين 1884…
عندما دعت ألمانيا بيسمارك إلى لقاء دول العالم، ومنها الإمبراطورية العثمانية، تركيا حاليا، وروسيا إلى جانب دول أوروبا، من أجل النظر في …القواعد الرسمية للاستعمار!
نعم هكذا يكتب التاريخ عن المؤتمر الذي بدأ في نونبر 1884 وانتهى في فبراير 1885.
وكان لافتا أن المؤتمر الأول، كما المؤتمر الثاني تزامن مع اكتشاف الثروات، الأرضية في الأول والبحرية في الثاني…
لا شك أن هناك تغيرات منذ ذلك الوقت، فبيسمارك ورثته أنجيلا ميركل،
والسلطان العثماني، لم يكن ينظر إلى أن إمبراطوريته تتآكل وتقتطع منها مصر، بل صار اسمه أردوغان، ومصر تنافسه على ليبيا، ومعارك البر، هي في واقعها معارك من أجل البحر…
مع إعلان مؤتمر برلين الثاني، نتذكر وقتها الشعور بالغضب في أوساط الداخل المغربي، وصلت بعضها إلى حد التنديد بوزارة الخارجية، وتحميل الديبلوماسية المغربية وزر مخططات العواصم الأخرى، لا سيما برلين وفرنسا.
كنا نعاتب ديبلوماسيتنا على ضعفها، ونلومها على… قوة الدول الأخرى!وهي دول قوية فعلا ولها نصيب هائل وغير بريء في الأزمة منذ انطلاقها في 2011…، بالرغم من خارطة الدولة المعنية الموحدة، والتي تبدو في النوايا وفي الحدود الدولية واحدة وموحدة، ظهرت خرائط أخرى، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا..وتعددت ساعات قياس الزمن الليبي، وتماوجت في بحرها وعلى سواحلها نوايا ومخططات وسفن حربية وتلبدت سماؤها بغيوم، بعضها مصطنع وبعضها حقيقي…
وكل ذلك زاد من ضبابية الرؤية، وزاد من تعقد الطريق وضياعها .. ولهذا ربما تطلب الانتقال من الصخيرات إلى بوزنيقة 2020، خمس سنوات.
وهي كلفة لا تتوقف عند الفرص الضائعة والمهدورة، بل تقاس بالدم المراق، وتوزن بحجم الجثث التي تداعت في كل أقاليم ليبيا، ثم بالخوف الذي يسيطر على بحيرة المتوسط، وشمال إفريقيا جزء من جنوب أوروبا ودول الساحل…
ولعل مما تعلمنا منه أيضا، أن الديبلوماسية تطوع الوقائع، عندما تكون أكثر تجردا في مقاربة الملفات الشائكة… وقد جعلت العاصمة الرباط من نفسها وحواضرها الجهوية، نقطة تمركز دولي، إلى جانب سويسرا وبرلين وغيرها من عواصم القرار…
والبلاد التي تضاعف من مجهوداتها للدفاع عن وحدتها تعرف بأنها ركن أساسي في بناء الدول في شمال القارة وفي بناء السلام في القارة كلها، والمغرب يعرف معنى الوحدة الترابية والسلام والوحدة الوطنية وبناء المؤسسات المتعلقة بالدولة بناءً على قاعدة التعاقد الوطني والعقد السياسي المشترك لرسم المستقبل.
سيكتب السياسيون والديبلوماسيون والمؤرخون من بعد، أساتذة النمل العسكري، والذباب الإلكتروني والخفافيش الروحية عن ما تحقق وما لم يتحقق، لكن الثابت بالنسبة لهذه القراءة هنا هو الوقوف باحترام أمام البلاد التي استطاعت أن تتحدث بكل لغات العالم والديبلوماسية، من التركية إلى الروسية إلى العربية والإنجليزية والفرنسية، لكي يجد الليبيون آذانا صاغية لبعضهم…
سيكتب آخرون عن المغرب الكبير، وما يضيع أمامه من فرص، وأن الذين لا يبحثون عن السلام لأنفسهم يجدون صعوبة في بنائه للآخرين والعمل من أجله على حدودهم، وقليلون سيفهمون هذا الجدل التاريخي بين الوحدة والسلام والاستقرار والتطور، بدون وجود أجندات مغرقة في الحساب الضيق والأرض الشاسعة.
سيكتب أساتدة التاريخ الحديث عن مجريات معقدة، كما سينتبه السياسيون وصناع القرار إلى ما في الملف من دروس أو من فرص ضائعة ومافيه من ألغام ومن أسوار شائكة…
وسنكتب فقط عن القدرة التي يمتلكها الأفق البعيد في صنع القرارات الناجحة، وربما نحس بأن الجميع مختلف حول القضية الليبيية ونفس الجميع متفق حول سمو المبادرة المغربية بخصوصها…ولا بأس إن تطلب ذلك خمس سنوات للمرور من الصخيرات إلى بوزنيقة…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 14/09/2020