السلام بالإكراه.. النووي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يطرحون السؤال الساخن وسرعان ما ينسونه في اللحظة الباردة التي تليه:
هل يخطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستخدام السلاح النووي في الحرب على أوكرانيا؟
لا نعرف إلى أي حد ستذهب البشرية في هذا الفزع المخيم عليها مثل خيال مجنح بأجنحة نووية.
لا نعرف أيضا ما إذا كان في نية الرئيس فلاديمير بوتين أن يكتب الفصل الأخير من كوكب الأرض ويضع مستقبله في علم الماضي، في سياق ردع خصومه من التفكير في محاكمته، ولا أحد يعرف أين تبدأ الأنانية الفردية وأين ينتهي توازن الرعب الاستراتيجي كلما رأى وجهه في خوف الآخرين ولا منقذ من أن يصبح ضعف بشري بسيط في الذاتية المفعمة بنفسها تهديدا للجنس البشري كله، تتوعده بالضياع في سديم من الفطر النووي.
لكن المحقق أن الأمور لن تحدث كما في فيلم تشويقي يدوم ساعة وأربعين دقيقة، ينتهي بتدخل البطل قبل النهاية بثوان يعدهن رجل مجنون، يضحك بهستيرية.
فهيتشكوك لا يصلح لإخراج الحرب، والهيتشكوكية تقاوم من أجل مكان تحت الشمس وفي دهاليز السياسة، والمشهد في حقيقة الحرب هو أن بوتين يلوح بقلم نووي وهو يلعب ورقة للإفتاء السياسي، مع أوكرانيا، فيسود فزع عام لا يجد العقلاء الذين يمكنهم نزع الفتيل، وهذه لحظة لا تحتاج لأبطال سينمائيين، بل تحتاج من ينتهز الفرصة لينقذ الناس من واحد منهم والعالم من قائده…
أنا وكثيرون لا دخل لنا بالحرب، لا فكرة لنا عن نهاية جماعية، نحن نخرج، ملثمين من عالم معقم كله مثل غرفة بالكاد يدخلها الضوء، بعد أن غادرها «أوميكرون»، ونسمع من يقول إن فلاديمير بوتين يعاني من نقص في الواقعية، ومع ذلك يلوحون له بواقع مر! ويقولون إنه يلهو بخيال وخيم يغذيه بالقوة، ولكنهم في نفس الوقت يلوحون له بواقع الهزيمة والضعف.
ومع ذلك، ها هو بوتين مشكورا يعيد لنا مخاوفنا التي نعرفها وتعرفنا.
هاهو مشكورا يعيدنا إلى الخوف من الأسلحة ومن الموت بالغاز والموت بالرصاص أو الموت بالانهيارات أو الموت في القطارات والسطوح بعد أن كنا نواجه خوفا مستجدا، بلا ملامح ولا قسمات، يتسلل مع العدو نفسه إلى ذاتنا وإلى قصباتنا الهوائية وإلى أجسادنا المنهكة خوفا من وباء يشبه الميتافيزيقا !
وهو فلاديمير، في غوصه تحت جليد العزلة المتنامية، يذكرني بآخر من قادة روسيا:
يذكرني فلاديمير الثاني بفلاديمير الأول.
يذكرني بوتين بمقولة لينين، في سياق مختلف وملتبس، فلينين كان يؤلبنا على بناء الحب الثوري تحت نيران العدو، وبوتين يريد أن يبني المفاوضات السلمية تحت نيران السلاح النووي، الذي يلوح به للعدو!
وبين ذا وذاك، وفي لحظة ما من التفاؤل البشري نصدق بأن طبول الحرب لن تدق، ستصير مثل طبول من حجر، كما قال الشاعر عبد القادر وساط أبو سلمى…
ومع ذلك يطاردنا الوحش النووي بمظلاته السديمية
لا أحد سيودع والديه،
لا زوج يودع زوجته
ولا مقاتلة تودع حبيبها أو تودع سريرها الدافئ إلى حرب باردة برودة الثلج لا برودة المصطلح…
في أي لحظة نقترب من الهاوية وفي كل لحظة ننتظر أن يهب عقل ما أو فؤاد ما ليقول: إن كل جغرافيا تكون الحرب فيها هي خطأ تاريخي ونحن خبزها الأبدي…
في أي لحظة نذكر بداهتنا بما يلي:
العقل السليم يريد أن الذي يجلس على مائدة التفاوض لا يكون مسلحا كما في فيلم كوبوي قديم، ولعل الضرورة القصوى التي تحتاجها البشرية لتقبل جنونها، توجد في عبارة ما …
عليك أن تختار
الحرب امتداد السياسة بوسائل أخرى
أو السياسة امتداد الحرب بأدوات أخرى..
عليك أن تختار
بين كلاوسفيتز
وبين لينين
لقد وجد بوتين نفسه في عزلة مجيدة وهو يحمل أحجار الجدار الألماني الذي انهار على كتفيه، ولا أحد يريد أن يمدده على سرير الجغرافيا ويفهم غضبه بل يزيدون من مشاكسته والرفع من الغضب، في دمه، وقد يفقد أعصابه… الباردة لأجل أعصاب أخرى ساخنة لا تليق بالعالم والبشر والكوكب…
وتكون نهاية جماعية…
لم يعد النووي محظورا ومحرما الحديث عنه، بل ربما يتعرض هذا الطابو إلى تآكل مع استمرار الحرب.. وخروج الوحوش التي لا نعيرها كثيرا من التراجيديا ونحن نناقش بالعقل البارد من سيعيش خالدا…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/03/2022