السويد: من حرية التعبير إلى حرية الكراهية؟
عبد الحميد جماهري
استرعى الموقف المغربي من عملية إحراق المصحف الكريم من طرف متطرف في السويد، انتباه الدول والأفراد بالنظر إلى قوته وتجاوبه مع عمق المشاعر لدى ملياري مسلم عبر العالم. فقد كان بحق أقوى رد فعل رسمي في الدائرة العربية الإسلامية، رسميا، حيث اتخذ في الوهلة الأولى صورة استدعاء القائم بالأعمال السويدي في الرباط، ثم ترادف مع استدعاء السفير المغربي في استوكهولم، وهما فعلان ديبلوماسيان قلما يجتمعان في حركة واحدة للدول، باعتبار أنهما يأتيان بالتدرج، الواحد تلو الآخر. والرسالة واحدة هنا: التعبير عن الامتعاض المزدوج من دولة السويد، التي تم فوق ترابها الحدث المشين.
فقد اكتفت عواصم كثيرة في العالم الإسلامي ببيانات تنديد، في حين عمدت عواصم أخرى، وهي قليلة، إلى استدعاء سفراء ستوكهولم لديها من طرف ديبلوماسيتها، في حين لم تقم أي دولة، إلى حد الساعة، باستدعاء سفيرها »»قصد التشاور إلى أجل غير مسمى««.
الخلاصة هي أن الرد المغربي هو الأقوى على سلم السلوك الديبلوماسي. ثانيا، تميز الموقف المغربي، ببلاغين اثنين، الأول، أعلنت فيه الرباط عن الاستماع للقائم بالأعمال واستدعاء السفير، وقد صدر في يوم العيد 29 يونيو 2023، والثاني تلاه في يوم الجمعة 30 يونيو 2023، وفيه ما يشبه الرد على ما نستنتج أنه تبرير من دولة السويد، وهو بلاغ ذو طابع سجالي قيمي ومعنوي يوضح فيه المغرب الفهم الصحيح لحرية التعبير والفرق بينها وبين العدوان، ويضع دولة السويد أمام تناقضاتها بخصوص السماح لمتطرف يقيم فوق ترابها للقيام بفعل عدواني على مشاعر المسلمين والكيل بمكيالين.
وهنا يجدر بنا أن نضع الإطار لهذه الردود:
– يعد الموقفان الحاليان (الفعل الديبلوماسي والخطابي) تطورا في الموقف المغربي نفسه، إذا ما استحضرنا حادثة مماثلة في يناير 2023، عندما قام زعيم حزب متطرف (الخط المتشدد) بإحراق نسخ من القرآن أمام مسلمين سويديين عمدا، وقتها اكتفى المغرب ببلاغ يستنكر فيه وبه الفعل المشين، ثم استغرب «»الموقف المتواطئ» للحكومة السويدية بالوقوف السلبي إزاء الحدث ومحاولة تبريره.
– تحميل السويد المسؤولية المؤسساتية، باعتبار أن موقفها تجاوز التحريض إلى ما يمكن أن ننعته بـ »»الرعاية المؤسساتية«« للحقد والعدوان.
– الدخول في نقاش فلسفي أخلاقي، حول معنى الحرية، مما يوحي بأن المغرب جعل قضية الرد على العدوان مسألة ذاتية وشخصية، وليست فقط عنوان انتماء للمجموعة الروحية التي تعرضت للهجوم.
في الإسلاموفوبيا والحرية…
لقد ضحد المغرب محاولة وضع قاعدة حقوقية للفعل العدواني عبر تبرير بحرية التعبير، وأحال الموضوع على منظومة القيم التي يؤمن بها كما تؤمن بها الأمم المتحدة، وهو في ذلك، لا يتحدث فقط من على منبر إمارة المؤمنين، التي تعطيه الشرعية للتعبير (بحرية)، عن الغضب الروحي للمسلمين، بل وكذلك من منبر عمله المتميز من أجل المشترك الإنساني، كما بادر إليه وعمل عليه أمميا، قبل الفعل داخل المنظومة الإسلامية، وهي المنظومة التي اكتسب شرعية الحديث باسمها كلما تعرضت رموزها ومقدساتها للانتهاك أو الاعتداء أو التحريض منذ إحراق المسجد الأقصى بالقدس الشريف في 1969، وما أعقبه من تأسيس للجنة القدس، التي تحرس رمزية بيت المقدس وترعى وجوده الروحي والمادي.
ومن حسنات التفرد المغربي في هذا الباب أن أمير المؤمنين العاهل المغربي جعل هذا الوضع الاعتباري الروحي العريق في خدمة القيم النبيلة المتعارف عليها دوليا.
وهو بذلك، صار موضع تقدير دولي باعتبار التجاوب الواسع مع مبادرات في شأن التعايش بين الديانات والحضارات والمعتقدات، ونكتفي هنا بالعمل الجبار الذي قام به المغرب لأجل المأسسة الأممية لقيم التعايش ونبذ الكراهية على مستويات عدة.
– المبادرة المغربية على قاعدة خطة فاس لاحتضان حوار الحضارات ومن ثمة الدفع نحو تبني القرار73/328 الخاص بالتسامح واعتماد يوم عالمي خاص بـ( »18 يونيو«) بقرار أممي أيضا 75/309 .
– احتضان حوار حضاري عبر التحالف الحضاري التابع للأمم المتحدة جمع إليه المسؤولين التنفيذيين (رؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين في الهيئة التنفيذية الدولية….. إلخ).
– احتضان حوار برلماني دولي باعتبار البرلمانات تمثيل للجانب الشعبي وتعبير عن سيادات الأمم، وهي معنية بالتشريعات ذات الصلة بحماية الحقوق والتعبير عنها.
– ضمان حقوق المهاجرين بتنوعهم الثقافي والاثني عبر التشريعات الوطنية المغربية، والحرص على امتداد التواجد المتعدد للجنس البشري فوق التراب المغربي.
وعليه، فقد امتلك المغرب كل الشرعيات للقيام بما قام به، كما أنه امتلك الأحقية الروحية كما الحقوقية الإنسانية في باب الدفاع عن التعايش الإنساني. الآن، أية علاقة بين حرية التعبير والاعتداء على مشاعر الناس، وهم هنا المسلمون؟
أولا: لقد وقف شخص واحد، برعاية دولة السويد، متعمدا الاعتداء على ملياري مسلم، وهنا يجدر التساؤل، أي ميزان عدالة أو حقوق يعطي الحق لفرد واحد في الهجوم على أضعافه ملياري مرة؟ ليس هناك مقارنة بوجود الفارق، كما يقول الفقهاء، ثم لقد تأسست الحرية في الأصل عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لحماية التنوع والحقوق المشروعة لممارسة الناس حرية المعتقد، وفي قلبها المعتقد الديني، كيف تتحول الحرية إلى مبرر للاعتداء على هذا الحق، وهو حرية المعتقد، أي كيف صار مبرر حرية التعبير أداة في يد من يعتدي على حرية المعتقد والانتماء إليه ؟
ثانيا: لقد تأسست حرية التعبير بمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الانسان (م 19 – 21 )، الذي صار أمميا بعد قرار الأمم المتحدة في 1949 ، وبالتالي فهو تراث أممي على قدم المساواة مع قرارات أخرى ذات صلة جاءت بعده، ومنها ما تم تسجيله في المواثيق والعهود الدولية ذات الصلة بالعنصرية والتمييز على أساس المعتقد، والسويد من الدول المصادقة على كل هذه الترسانة، فماذا تقول لنفسها في هذا الباب؟
ثالثا: ماذا تقول السويد أمام الإسلاموفوبيا التي صار لديها يوم أممي (15 مارس من كل سنة)، والتي يعرفها القرار الأممي المتعلق بها بأنها «كراهية بدافع من العداء المؤسسي (يتجلى هنا في قرار حكومة السويد)، والإيديولوجي والسياسي والديني (المتهم سريالي)، تتجاوز هذه الإطارات إلى عنصرية بنيوية وثقافية تستهدف الرموز والعلامات التي تدل على أن الفرد المستهدف مسلم»، وهذا تعريف ومصطلح شامل يضع السويد في زاوية ضيقة لا جدوى فيها من محاولة وضع تفاضل أو تمايز تفضيلي بين حرية التعبير والاعتداء على مشاعر المؤمنين.
رابعا: بالنسبة لمغربي احتضنت بلاده نداء مراكش حول التسامح بين الأديان، يعتبر أن السويد التي تعرف نفسها باعتبارها» ملكية دستورية بنظام حكم برلماني»« بنداء مراكش الصادر عن المؤتمر إياه، الذي دعا إلى «»اعتماد« مدونة سلوك برلمانية على المستوى العالمي بما ييسر احترام الديانات والمعتقدات««، وبذلك توضع تشريعات ضد الكراهية.
السويد محكوم عليها بالامتثال إلى الأفق الإنساني كما تم تبنيه أمميا، ولا يمكنها أن تعتبر تشريعها الوطني أسمى من الالتزام العالمي، أليست هذه هي …الحجة نفسها التي تستعمل ضد الدول التي تدفع باستثناءاتها (الثقافية في تأويل وتطبيق المواثيق الدولية؟).«
في الواقع، إننا أمام خطر انزلاق رهيب، قد يجعل الغرب اليميني »(الحسابات الانتخاباوية«) يضع الأسس لميلاد « إنسانية خاصة» به فرحة بتميزها العرقي وفهمها للحرية والتعددية، وقانونها هو أن متطرفا واحدا يعادل ملياري شخص من «»الإنسانية الدنيا»،« ونكون بما تضمه من آخرين، خارج أفق السردية الحقوقية.
إن الموقف السويدي( كما غيره من المواقف المماثلة) يضعف حرية التعبير أكثر مما يضعف حرية المعتقد، بل إنه موقف يحرم الحداثة الحقوقية من تأسيس القداسة على قاعدة الاحترام الكلي والشامل واللامشروط لحقوق الناس في المعتقد والتعبير والعيش المشترك.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 03/07/2023