السيادة النسقية في مواجهة كل الأخطار

عبد الحميد جماهري

انتظم خطاب الدخول البرلماني لجلالة الملك حول خيط رابط مركزي حول السيادة بكل مستويات وجودها وممارستها.
وإذا كان الخطاب الافتتاحي، ليس هو أول خطاب تكون فيه السيادة حاضرة بقوة، إذ سبقه خطاب العرش في يوليوز الماضي، فإن الواضح أن السيادة كانت هي الأساس، وحجر الزاوية والنسق الذي تحكم في المعنى والمبنى، في الأصل وفي التفرعات.

السيادة الشعبية
أول ما انطلق به خطاب الملك، هو السيادة الشعبية، وقد أشاد بالظروف التي مورست فيها كما ثمن ممارستها، في سياق واضح هو استكمال البناء الديمقراطي وثوابته التي استطاعت أن تثبت جدارتها الشعبية، من خلال مواجهة أربعة استحقاقات في استحقاق واحد؛ بالرغم من الظروف الوبائية.
وهي السيادة الشعبية التي أفضت إلى تناوب سياسي، ينبئ بمرحلة جديدة، و استطاعت أن تحل معضلات جوهرية عالجتها دول أخرى بمنطق الاستثناء السلبي أو بالاستحالة السياسية في إيجاد الحل السلمي المتعارف عليه عالميا.
2) تلازم السيادة الشعبية والسيادة على التراب.
ولعل أقوى نقطة في الحديث عن السيادة الشعبية، كما تمارس في أية عملية ديمقراطية، هي تلك التي ربطت بينها وبين سيادة المغرب على ترابه، وانخراط المغاربة في الصحراء في ممارسة السيادة الوطنية على التراب من بوابة السيادة الشعبية. ومما يعطي هذا التلازم قوة الحجة والمشروعية هو قيام المغرب، من خلال سفيره في الأمم المتحدة، بتوزيع وثيقة تهم المشاركة الواسعة ونسب هذه المشاركة من طرف أبناء الصحراء، في بيان ممارستهم للسيادة الشعبية وإثبات انخراطهم في السيادة الترابية.

التهديدات وعودة السيادة

البؤرة الأكثر إثارة للانتباه، في بناء النسقية السياسية المتمحورة حول السيادة، هي جعل حجر البناء المركزي، بالنسبة للأبعاد المستقبلية، يتمثل في الدفاع عن مكانة المغرب ومواجهة المخاطر، بتأشير الخطاب الملكي على «عودة السيادة» في العالم اليوم؛ من بوابة التدبير العالمي للجائحة، بكل مستويات هذا التدبير: اللقاح أولا، الاكتفاء الغذائي ثانيا، والندرة الطاقية ثالثا. ومن الواضح أن عودة السيادة إلى الواجهة يحمل في طياته عودة للجيواستراتيجية وتضارب المصالح، ومن ثمة محاولة إعادة بناء العلاقات الدولية على القوة وموازينها. الأمر الذي يقود إلى الصراع الغرائزي، وقد يهدد بتدشين مرحلة صعبة قد تتلاقى فيها الأوبئة مع الحروب المتأتية عنها، مع الأنانيات والجيو استراتيجية المستجدة والأحقاد القديمة. كل هذا يستوجب ربط السيادة بالمخزون الاستراتيجي.

ربط السيادة بالمخزون الاستراتيجي

عندما نتحدث عن مفهوم «المخزون أ و الاحتياطي الاستراتيجي»، فنحن عادة ما نتكلم عن إجراء قد تلجأ إليه الدول في سياق سياسة خاصة، أو لمواجهة ظروف طارئة وأحداث غير متوقعة.
المغرب في الحالة الأولى يريد تثمين مخزونه الاستراتيجي، ضمن تدبير المرحلة القادمة وتأمين تحقيق أهدافها، بما يجعله في منأى عن كل الجيوستراتيجيات التوترية حول المواد الأساسية (الغذاء، اللقاح، الطاقة).
وقد استند في ذلك إلى تأمين «سيادة الحاجة» souvrainté du besoin، التي لا تعتمد سوى على المنتوج الوطني. وتفرعات تأمين ذلك، لها مداخل عديدة، من بينها تفعيل التوافقات الكبرى التي تتطلبها المرحلة المقبلة.
كما أن الحديث عن المخزون الاستراتيجي قد يستدعي استحضار الظروف غير المتوقعة، والتي قد تستجد من خلال تطورات الوضع في غرب المتوسط وفي إفريقيا جنوب الصحراء.

السيادة المشتركة

وكان منطقيا أن الحديث عن السيادة لابد أن يُدْمَغَ في الأخير ببصمة «المشترك الوطني»، من خلال تركيز الخطاب في نهايته على المسؤولية الجماعية «حكومة وبرلمانا، أغلبية ومعارضة» وكل القوى الوطنية على نجاح هذه المرحلة التي تتأسس على سيادة شعبية، وأخرى ترابية وثالثة وطنية تستوجب تحصين كل السيادات الضرورية.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/10/2021