الشركاء الغامضون: إسبانيا والاتحاد الاوروبي أولا

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

‬تمثل المخاطَب الثاني‮ ‬في‮ ‬خطاب الملك،‮ ‬ الذي يجمع بين الشراكة الاقتصادية والمواقف المزدوجة في أوروبا كلها، (‮‬من خلال اتحادها)،‮ ‬والتي طلب عاهل البلاد منها الخروج من‮ «‬منطقة الراحة‮» ‬الخاصة بها والانتقال إلى المساهمة في‮ ‬الدينامية الإيجابية الجارية بخصوص‮ ‬الصحراء المغربية‮.‬
ولا يفهم العقل المنطقي كيف تكون أوربا مسرحا لمواقف متضاربة، بين مؤسساتها، في حين تكون اللجنة الأوروبية والمجلس الأوروبي إلى جانب استمرار الشراكات والدفاع وعنها والاستماتة في الدفاع عنها، مع فتح الباب للطعن في الاتفاقيات نفسها أمام المحكمة الأوروبية..
قد يكون للأوروبيين الحق في خصام المحكمة والأجهزة التنفيذية فيما يشبه فصلا للسلط في دستور لم يكتب له أن يطبق، لكن ليس من المقبول أن تظل الأجهزة المستفيدة من الشراكة الاقتصادية في قطيعة مع التماثل السياسي لهذه الشراكة، المبنية علي الإقرار بسيادة البلاد التي تقوم معها هذه الاتفاقيات..
‬ومنها تلك الدينامية المعبر عنها من طرف40‮ ‬ دولة كانت قد حضرت في‮ ‬المؤتمر الوزاري‮ ‬الذي‮ ‬نظمته الرباط وواشنطن،‮ ‬لدعم مبادرة الحكم الذاتي‮ ‬تحت السيادة المغربية،‮ ‬عبر تقنية التواصل عن بعد‮. ‬
الاتحاد الأوروبي‮ ‬معني بالشق الثاني‮ ‬من خطاب الملك، والمتعلق بالشركاء الغامضين ومزدوجي‮ ‬المواقف‮..‬
وفي‮ ‬قلب هذا الاتحاد‮… ‬مدريد عوض باريس‮!‬
وكما في قضية الحلفاء المترددين، وضع ملك البلاد مقدمات للحديث عن الشركاء المزدوجي النية والغامضين.
محددات الالتزام بالحل السلمي والتعاون مع المجتمع الدولي، ومساندة مبعوث الشخصي للأمين العام المعين حديثا والتشبث بوقف إطلاق النار، ما يسمح بمقدمة مباشرة هي التنمية واستفادة الساكنة منها.
الصحراء مجال مفتوح بواجهاته البحرية والبرية وبما يقدمه .. من «نهضة تنموية شاملة، من بنيات تحتية، ومشاريع اقتصادية واجتماعية» بمساهمة القوى والتجمعات الصادقة التي تقر بسيادة البلاد على صحرائها.
ومن المنطقي أن تكون له الأولوية في اختيارات المغرب.
لا يمكن أن نعامل الكل بمكيال واحد !… أوروبا التي تطعن بعض مؤسساتها في هذه السيادة بدعوى أنها لساكنة غير الساكنة المغربية في الصحراء، مطلوب منها الحسم، وإسبانيا ذاتها واقعة في هذه الزاوية، وربما دول أخرى ترقص على إيقاعين..
أحيانا نتحدث كشريكين عن العلاقة المصلحية‮ ‬، لكن بنوع من التسويغ‮ ‬الذي‮ ‬يتساهل فيه طرف من طرفي المعادلة مع المطلوب من تبادل الربح والاستفادة.
المغرب يقول بأنه لم يعد يقبل بالعلاقات الغامضة‮ ‬،‮ ‬التي‮ ‬تجمع بين المصلحة المباشرة‮‬،‮ ‬وبين التسويف الأخلاقي.. الذي يصل إلى حد الطعن في الظهر والتخطيط ضد الشريك.
إن الطرف الآخر يستفيد من العلاقة،‮ ‬بدون أن ‮ ‬يعطيها شحنتها الأخلاقية،‮ ‬التي‮ ‬تعترف للمغرب كشريك بسيادته على أرضه.‮ ‬
إن الاتحاد الأوروبي ومن يشاكله يعطي لنفسه الحق الكامل في الوضوح المصلحي بدون أن‮ ‬يجبر نفسه على الوضوح الأخلاقي‮…‬!
أمامنا ‮ ‬معادلة تجمع بين الدقة في‮ ‬الحساب الاقتصادي،‮ ‬وبين نوع من الترهل والميوعة في‮ ‬المجال السيادي‮..‬
والحقيقة أن هذا التعايش مع الغموض والازدواجية،‮ ‬مضر بالوضوح السياسي.‮ ‬
وعلاوة على ذلك، فإن المعيار الذي‮ ‬يضعه المغرب(=‮ ‬سيادته على صحرائه)‮ ‬معيار أممي، مبدأ كوني، ‮ ‬لا‮ ‬يمكن لأية أمة أو وطن أن‮ ‬يعيب عليه هذا الحزم السياسي‮ ‬المطلوب في‮ ‬بناء علاقات سوية‮..‬
منطقة‮ ‬غموض توجد بين وضوح المصلحة الاقتصادية وغياب المقابل السياسي‮..‬
لعل المرافقة الطويلة لدول الاتحاد الأوروبي في التعاون المتعدد، سيكشف لنا أن الجرأة تنمو مع التجربة
وحلفاؤنا هنا لهم تجربة طويلة في‮ ‬المعرفة بخبايا القضية الوطنية.
ولن يغيب عن أذهان المغاربة أن بعضا من المعادلة يكمن.. في الذاكرة الاستعمارية التي تريد للمستعمرات السابقة أن تظل في حالة لاحرب ولا سلم دائمة!
ويبدو أن مدريد التقطت عبارات الملك الواضحة، وفهمت نخبتها، لاسيما القريبة من الحزب الاشتراكي والحكومة بأنها معنية بكلام الملك.
وقد كتبت «إلباييس» على سبيل المثال، أن إسبانيا تخشى «أن تصبح رهينة المواجهة بين الجزائر والمغرب» في سياق محاولة «الدبلوماسية الإسبانية الحفاظ على توازن صعب بين الجارتين المغاربيتين».
والحال أن طرح المسألة من هذه الزاوية طرح خاطئ من الأصل، لأن الأمر عندما يتعلق بالحق والسيادة الترابية لا منطقة وسطى فيه بين الجنة والنار.. والتوازن على حساب الحق، ليس توازنا، بل هو مهادنة ومداهنة: مهادنة الظالم ومداهنة المظلوم.

لقد اعتبر بعض الإسبانيين أن الملك أطلق تحذيرات، والحال أنه لم يطلق تحذيرات، بل شدد على قاعدة أخلاقية في التعامل معه، وجعل من السيادة وحدة القياس الوحيدة في رسم الهندسات الاقتصادية..
بالنسبة لإسبانيا بالتحديد، كان المغرب قد طرح على المائدة بينهما طبيعة العلاقة التي تريدها مدريد: هل تريد شراكة خاصة مع المغرب أو تعاون وراء ظهره مع خصومه، ويمكن القول إن الأسئلة التي طرحها إبان ازمة ابراهيم غالي ابن بطوش، لا زالت قائمة.
لقد كان الملك في خطاب ٢٠ غشت قد دعا إلى إعادة نظر جذرية في العلاقات بين البلدين، وقال الملك في خطاب ثورة الملك والشعب «لم يكن هدفنا هو الخروج من هذه الأزمة فقط، وإنما أن نجعل منها فرصة لإعادة النظر في الأسس والمحددات، التي تحكم هذه العلاقات.
وإننا نتطلع، بكل صدق وتفاؤل، لمواصلة العمل مع الحكومة الإسبانية، ومع رئيسها معالي السيد Pedro Sanchez، من أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقات بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل، والوفاء بالالتزامات».
وقتها احتفت أوروبا في شخص رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، بالخطاب كما فعل شانشيز نفس الشيء!
وفي 12 أكتوبر، بمناسبة العيد الوطني لإسبانيا، هنأ عاهل البلاد اسبانيا على «العلاقات الممتازة» بين البلدين.
وفي مقابل كل هذه الإشارات لم تتخذ إسبانيا أية خطوة نحو تصحيح قاعدة الشراكة، وظلت سفيرتنا لدى مدريد في المغرب منذ استدعائها المشاورات في ماي الماضي؛ والحدود مع سبتة ومليلية السليبتين ما زالت مغلقة ..
الأنكى أن إسبانيا لم تكن موفقة في الإعلان بأنها «تحقق» في حادثة شاحنتي بير الحلو، في الوقت الذي كانت «المينورسو» قد اخذت الموضوع بجدية، باعتبارها المسؤولة عن وقف إطلاق النار بقرار أممي… وقدمت فيه، ما يثبت بأن الوضع غريب وغير مفهوم، مما يرمي المسوولية على الطرف الجزائري!
التدخل بهذا الشك من طرف إسبانيا يلقي بظلال أخرى أكثر كثافة من السابقة حول حقها في التحقيق.. وماذا يمكن أن تفعل به؟ وما طبيعة المعلومة التي يمكن أن تسوقها في الوقت الذي كان منتظرا منها أن تتقدم في أفق الحسم في مغربية الصحراء، هي العارفة بعمق وأعماق المشكلة منذ فرانكو وميليشياته؟
لعبة التوازن، لا يمكن أن تكون بالالتباس والازدواجية، بالسنبة لأوروبا وإسبانيا معا.
المطلوب الوضوح : Al pan, pan, y al vino, vino

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/11/2021