الشهيد عصي على سيناريوهات التلويث والقتل!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
أثبت الشهيد المهدي بن بركة، مرة أخرى، أنه جدير بأسطورته الفارقة، فهو قتيل طويل الموت..
طويل العمر في موته بالتحديد!
وهو أيضا شهيد متعدد العمر
فبعد أن قتلوه تعددت أكفانه
وتعددت حياته..
وتعددت عواصم الحقد عليه، لكن الغرابة هي أنهم لم يجدوا له، بعدُ، موتا واحدا يليق به….
ولا قبرا يعرفه أهله وتعرفه ملائكته ويعرفه فقهاء الجمعة
وقد جاء،مجددا، صحافي يجدد للإثم كلماته، ويدعي بأن الشهيد كان جاسوسا لدى التشيكيين!
وكان جاسوسا لدى الصينيين
وكان جاسوسا لدى الأمريكيين
وكأن العالم بين يديه بلا خرائط، كما لو أن الستينيات في ذلك القرن الذي عاش فيه الشهيد المهدي بنبركة كان هو الوحيد فيه الذي يتجول في الدول كلها بمفاتيح سرية وسحرية...
كما لو كان مراهقا يبحث عن التشويق والزيادة في «الأدرينالين « لكي لا ينتبه بأنه يقدم عمره كله لبائع مجهول للأخبار السرية!!!!
وكل هذا الانتحار الأخلاقي من أجل تذكرة ذهاب وإياب إلى بلد لم يكن يغري أحدا وقتها، ولا يشغل ذهن العواصم حاليا وإفريقيا قِبلة كل الدول العظمى…
كيف يفكر الشهيد في الذهاب إلى غينيا الاستوائية مثل بطل فيلم حركي تشويقي، مثل «انديانا جونز»، يبحث عن أسرار تريدها براغ عن أفارقة غينيا…
كيف يجد الوقت في أجندته الدولية لكي يتفرغ إلى ما يجول في رأس رئيس دولة إفريقية في الستينيات؟!
ماالذي قد يغري وطنيا بحجم المهدي كان يدخل على رؤساء الدول كزعيم مبجل لكي يشتغل عند ضابط الصف العاشر في براغ، هو الذي كان يجالس رئيس دولة تشيكوسلوفاكيا نفسها من أجل التفكير في مصير الدول الحديثة الاستقلال؟
لا شيء يقنعنا بذلك ولاشيء وراء الحكاية، سوى حبكة مهزوزة وقصة ملغومة..
والغريب، أن الذي يقوم بهذا، في نظر الصحافي والصحيفة التي نشرت سمها، يقوم به لفائدة المال. عجبا، لا وثيقة تثبت أن المهدي ترك أثرا أراده في جاسوسية كل شيء فيها يوثق...
هذا الذي كان رئيس أول برلمان في المغرب المستقل، وهذا الذي كان صديق الملك قبل أن تفرق بينهما السبل، وهذا الذي كان يعيش في كل عاصمة يشاء معززا مكرما، لا تملي عليه قناعاته أفعاله بل تمليه عليه مبالغ زهيدة لا يقبل بها أي قنصل أو حارس خزانة في سفارة ما..هذا الشهيد العريس، ضحية «التلبيس» والحكاية كلها بدون وثائق تثبت الجريمة، سواء مالية أو خبرية!
ولا أدلة مكتوبة والكاتب نفسه يقول إن الآثار المادية المحاسباتية دمرت..
ياه….! هذا كان يقبض مالا تم تدمير وثائق إثباته ومع ذلك لا يتورع الصحافي في اتهامه بالجاسوسية يعنون بها مقاله….
الرجل الذي كان حلمه يفوق أحلام ثلاث قارات وأزيد من مائة دولة، تريد السيرة المشبوهة لمخبرين مجهولين أن تجعله رهن الاستخبارات الرديئة لدولة لولا ربيعها لما كان لها موقع!
الشهيد الذي كان له في كل عاصمة عنوان شرف وكرامة وعزة.. يتنقل بين القاهرة وموسكو وبكين وهافانا وجنيف وباريس…ليلتقي زعماء كبار حركات التحرير، أمثال جمال عبد الناصر وقوامى نكروما وجوزيف بروز تيتو .. الذي كان صديقه وجليسه ورفيقه في بلورة الحلم الكبير، وماو تسي تونغ وفيديل كاسترو، ولعل جزءا من اغتياله له علاقة بهذا القوس الواسع من العلاقات في بناء منظمة القارات الثلاث.
لقد استطاع أن يذلل الخلافات التي كانت بين الصينيين والسوفياتيين حول الحضور، واستطاع أن يحقق الإجماع حول شخصه من بين كل الزعماء الكبار في العالم .. واستطاع أن يحضر للمؤتمر التاسيسي لانعقاد مؤتمر القارات الثلاث في هافانا بين 3 و13 يناير 1966.
واغتياله لا يمكن أن تغيب فيه هذه الأبعاد.. ولا شك أنه كان يستحضر ذلك عندما أعلن ، في 3 أكتوبر 1965، وخلال مؤتمر صحفي تحضيريّ لمؤتمر هافانا «أنّ تياري الثورة العالمية ممثّلان فيه: التيار المنبثق من ثورة أكتوبر وتيار الثورة الوطنية التحررية».
وهنا لا بد من استحضار أحد رفاقه، وهو يضع اغتياله في سياقه الدولي، ففي وقت اغتياله عرف العالم سلسلة جبرية من الاغتيالات، كما أشار إلى ذلك رونيه غاليسو:« من أجل إدراك غائيّة الجريمة، يكفي استعراض سلسلة الاغتيالات السياسية والانقلابات التي هدفت، في المرحلة نفسها، إلى ترسيخ النظام الرجعيّ. في العام 1965 فقط، قُتل رئيس الوزراء الإيراني علي منصور (21 يناير) ومالكولم أكس (21 فبراير) وأحد زعماء المعارضة البرتغالية، مانويل دلغادو (24 أبريل)، ومساعد وزير دفاع غواتيمالا، ارنستو مولينا (21 مايو)… سيتمّ اغتيال غيفارا عام 1967 ومارتن لوثر كينغ في العام التالي واميلكار كابرال في العام 1973…».
فهل كان كل الزعماء التحرريين جواسيس تم اغتيالهم لهذه الأسباب كما يدعي صحافي مشبوه؟
المهدي أكبر من وشوشات الغرانيق العلى.. وعصي على كل السيناريوهات الخبيثة!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 30/12/2021