الصحة وقانون المالية 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
أحيانا تكفي قصة مواطن بسيط لرسم حدود ما يمكن أن تقدمه السياسة، أفقيا وعموديا، من حلول..
لقد حدث لكاتب هذه السطور أن وجد نفسه أمام حالتين اجتماعيتين بالمباشر، وفي تقاطع بين الصحة والهشاشة الاجتماعية، في ساحة المستشفى العمومي:
حالة سيدة تعمل مساعدة بيت، متزوجة برجل عاطل عن العمل، وكان عليها إجراء تشخيص بالفحص بالرنين المغناطيسي «ليريم» كما يقال.. وقد استفادت من التغطية الصحية لزوجها، عن طريق الراميد، في نفس الفترة الزمنية تابعت قضية زوجة رجل متقاعد، كان يعمل بإحدى شركات القطاع الخاص، لايتعدى تقاعده ألفي درهم، وكانت المعضلة أن طلب من السيدة زوجته دفع 3600 درهم لإجراء الفحص بالرنين المغناطيسي!
وظهر أن الفرق في الوضعية الخاصة بالزوجة وضع تفاوتا كبيرا في ما يتعلق بالاستفادة من الراديو! صحيح أن الزوج قد يستفيد من بعض التعويض، لكنه قبل الاستفادة من ذلك، عليه أن يجد بالضرورة المبلغ، ولا نتحدث عن المتابعة البعدية للعلاج، والتي تتجاوز في الكثير من الأحيان قدرات موظف في الطبقة الوسطى لا قدر لله، بل حتى الطبقة الوسطى العليا..
هذا الوضع، ربما قد يُستجاب له من خلال الرفع من مبالغ التقاعد، والتي قال وزير المالية إنها تبلغ مليار درهم لإصلاحه كزيادة طبعا..
بعض هذا المبلغ محصل عليه من الضريبة، من أجل التماسك الاجتماعي، المفروضة على المقاولات الكبرى، بوضعها الإجراءات الإبرائية… في نسبة 50 في المئة، عن الممتلكات في الخارج.
والضريبة على المقاولات الكبرى، التي تضمن الخمسين في المئة المتبقية، سبق أن تم التنصيص عليها سنة 2012، قبل تعليق العمل بها بعد مرور ثلاث سنوات..
واليوم يعود صندوق التماسك الاجتماعي، ليقف وراء مبادرات عميقة اجتماعيا من قبيل نظام الرميد أو مليون محفظة،… بمعنى أن الأموال والأملاك التي ظلت في منأى عن أي
مساهمة في الاقتصاد طيلة كل سنوات التخفي – حتى لا نقول التهريب – هي التي ستكون أمامها فرصة للتوبة وتزكية أصحابها؟
ماذا سيتم عندما ستسوى وضعية أصحابها وكل الممتلكات في أفق 2021 كما يبشرنا الوزير وتبدأ الاتفاقيات في العمل؟..
الوزيز متفائل..
وهذا التفاؤل الذي يبديه الوزير يقابله وضع ناقص، بالمقارنة مع المعدل الذي تطالب به المنظمة العالمية للصحة، أي 10 في المئة من ميزانية الدولة..عوض 5.8 الحالية.
الوزير السابق كان يحلم بـ 8 في المئة في 2019، المستشفيات بالرغم من الزيادة فيها، يكون الواقع هو أنه أقل بالمقارنة مع عدد السكان، ففي 2011 كانت 11 ألف نسمة و970 لكل مؤسسة وفي 2017 12 ألف نسمة و238.
الحقيقة أن المسؤولين المباشرين عن المستشفيات يصرخون بأدب في وجه وضعية تتميز بصعوبة توظيف الموارد البشرية، والنقص الحاصل في تمويل الفضاءات الاستشفائية، وعدم القدرة على منافسة قطاع خاص متنام ويقدم ظروف عمل أفضل بل ظروف حياة أفضل، مما يطرح الشرط الموضوعي لممارسة المهنة الطبية بما يضمن الحد الكريم للحياة ..لمن اختاروا أن يظلوا تحت المظلة العمومية. والحكومة محظوظة، لأنهم لم يفعلوا ما فعل نظراؤهم الفرنسيون الذين وقعوا عريضة تحت عنوان «المستشفى العمومي ينهار»، التي نشرتها لوموند الفرنسية، أول أمس،… وهم يعتبرون أنهم غير قادرين على القيام بمهامهم.. وهم يقرون بأن الولوج إلى الاستشفاء والتشخيص والفحص والعلاجات صار أمرا صعبا والعاملون بدورهم حبطت عزائمهم..
بل المهم أن المرتفقين صاروا يميلون أكثر إلى العلاج في القطاع الخاص!
واعتبروا أن الأمر يستوجب الرفع من هدف الإنفاق العمومي الخاص بالتأمين على الصحة وإعادة النظر باتجاه الرفع من تعويضات العاملين، وفي طليعتهم الممرضون والممرضات والأطباء، بما يعني إعادة بناء المستشفى العمومي الفرنسي»..
هل تفاؤلنا يعني أننا أحسن من فرنسا كما تفضل ذات يوم السيد رئيس الحكومة؟
وهل يستطيع هذا الأخير أن يقول الحقيقة للمغاربة؟
هذا الوضع، لا يمكن حله باللجوء إلى التعاقد مع القطاع الخاص!!
فالذي يستفيد من وضع أفضل في قطاعه الخاص، سيكون التعاقد معه إضافة مريحة، كما قد يكون طريقا لإغراء أطباء القطاع العام والعاملين فيه باللجوء إليه، بعد مغادرة القطاع العام، والعودة إليه عبر التعاقد..
اللااستقرار في أجلى أوصافه..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 19/11/2019