الصحراء: .. والآن حانت مساءلة الأمم المتحدة !

عبد الحميد جماهري

راكمت القضية الوطنية ما يكفي من عناصر القوة والانسجام، عبر دينامية دولية متعددة الجغرافيا والسياسة، لكي ينتقل بلدنا إلى مساءلة الأمم المتحدة نفسها، باعتبارها المكلفة حصريا بالموضوع.
ويمكن اعتبار تصريح ناصر بوريطة، للصحافة على هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص، تحولا هادئا عميقا لكنه يؤشر على ما بعده! فقد اعتبر أن الدينامية الدولية المتنامية الداعمة لمغربية الصحراء تسائل الأمم المتحدة بالدرجة الأولى:
ـ الدينامية تشمل ما يقارب 85٪ من الدول الأعضاء في المنتظم الأممي .
والمعطيات الرقمية تبين بأن:
*19 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تبنت الحكم الذاتي بصيغ متعددة التركيب، لكنها ذات معنى واحد (الأساس الوحيد، الأساس الجدي. .).
+ إجماع عربي على الطرح المغربي
+ أغلبية إفريقية ولاتينية تراجعت عن أي شكل من أشكال التعاون مع الطرح الانفصالي وحاضنته الجزائرية
+تسليم مجموعة الـ20 بدعوة من البرازيل بخارطة المغرب…
ـ حتمية التقدم، إذ لم يسجل أي تراجع أو عودة إلى ما قبل الحكم الذاتي..
ـ إقبار الاستفتاء، بما هو عتبة الطرح البديل وسقفه، نهائيا، وترسيم طريقة الحل وأفقه ما دام الحل قد صار هو الحكم الذاتي لوحده ..وبس!
وعليه فقد بات من الضروري أن ترقى الأمم المتحدة نفسها إلى ما أنتجه مجلس الأمن من قرارات وإلى المناخ العام، علاوة على كون القضية الترابية للمغرب قد انتهت في أذهان أصحاب القرار، وبدأ يلوح في أفقها الحسم النهائي..
ومن هنا نفهم دعوة الديبلوماسية المغربية إلى «بلورة انسجام داخل المنتظم الأممي وعلى أرض الواقع»، أي دعوة الأمم المتحدة إلى السير مع تطورات الواقع، كما هي، والتي تعرف انتصارا لا غبار عليه للحكم الذاتي..
وأعتقد بأن تصريحات بوريطة التي سبقت استقباله لستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام كانت موجهة لهذا الأخير!
معززة بتأطير واضح باللاءات المغربية الثابتة كما تكررت في خطب الملك، راسمة خارطة طريق الديبلوماسية الدولية حول موضوع الصحراء، وهي:
1 – دعم جهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي من أجل حل سياسي واقعي، وعملي، ومستدام وقائم على التوافق؛
2 – الحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، كحل وحيد وأوحد لهذا النزاع الإقليمي؛
3 – الموائد المستديرة بمشاركة جميع الأطراف، وخاصة الجزائر، كإطار وحيد لهذا المسلسل، وذلك طبقا لقرار مجلس الأمن 2703، بتاريخ 30 أكتوبر 2023؛
4 – الاحترام الصارم لوقف إطلاق النار من قبل الأطراف الأخرى كشرط مسبق لمواصلة المسلسل السياسي؛
ولعل النقطة الرابعة موجهة للسيد دي ميستورا، ومن ورائه المنتظم الدولي من خارج مجلس الأمن، إذ أن الجدية تفترض بأن تكون قرارات مجلس الأمن كلا لا يتجزأ!
أما ترك الباب مواربا بخصوص الهجمات على المغرب، فذلك معناه السقوط في ما تريده الجزائر والبوليساريو ضدا على التوجه الأممي الغالب الساحق. ونقصد به التوهيم بأنهما (الجزائر والبوليساريو) قادرتان على تعطيل المسلسل السياسي، باعتبار أن هناك ظروفا تهدد السلام، وأنه لابد من العودة إلى … 1992، سنة وضع وقف إطلاق النار بسبب الحرب القائمة!
الموضوع مطروح على الأمم المتحدة، لاسيما وهي تستعد لمناقشة تقرير الأمين العام حول الصحراء وحول مهام المينورسو والتقدم في مسلسل السلام…
لقد تبنى المغرب «معادلة النظارات» مع شركائه وأصدقائه، وتجاوب أغلبهم مع وضوح المغرب وتفاعلوا إيجابيا مع إرادته، ووقفت الدول صانعة القرار الدولي إلى جانب حقوقه، كما هو حال الدولتين الاستعماريتين المعنيتين فرنسا وإسبانيا،وصار من المفروض على الأمم المتحدة أن تدرك هاته التحولات وتعمل بها..وتتبناها في مخاطبة الأطراف الأخرى، لا أن يبقى المغرب الوحيد الذي يرافع دفاعا عن هذا التحول …
بمعنى أوضح فالأمم المتحدة تملك اليوم ما يكفي من العناصر القوية، من اعترافات ودعم ومواقف مناصرة للحكم الذاتي لطي الملف حسب المسارات المعروفة ، وتدوين ذلك في وثائقها بعد أن ثبت وجود الحل المغربي في الواقع الدولي..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/10/2024