الصعود إلى …القرن الثاني عشر قبل الميلاد! سأغويها وأقودها إلى الليكسوس..

عبد الحميد جماهري

تصعد أدراج الليكسوس، الموقع المطل على جهات البحر والوادي والريح، من أربع زوايا، يقترب الزمان ويبتعد المكان…تنظر إليه من بعيد، وأنت تغادره…يقترب المكان ويبتعد الزمن…ربما يكبر هذا المكان بالنسيان لكي يعود بالشمس والشجر الأخضر وظلال باردة في تلة القرون التي مضت..
فجأة أصبحت للعرائش في نفسي هُوية أخرى
شمس أخرى أيضا وريح…
هنا أشرقت الشمس على الرومانيات في القصر الإمبراطوري، قبل أن يهل المسيح بثمانية قرون.
وهنا أيضا تلاعبت الريح بشعر الرومانية القادمة من الكوليزيوم وهي تمثل في المسرح المرفق بالهواء الطلق…
ليكسوس الذي افتتح في منتصف الشهر الذي نودعه، كان منبثا هنا، بعيدا عن الزائرين، اللهم بعض العابرين بشجون الحديث التاريخي عن زمن متخثر هنا، من زبد البحر
أو من أحواض الملح القريبة…
ترى هضبة في فسيح أخضر ، ما بين نهر ليكسوس ومدن صامدة والمحيط يغرق في زرقته، وحجر فوق حجر، يحمي الذاكرة من غزو الأتربة والنسيان..
صعدنا وقت الأصيل لم نكن نصعد بإرادة المكان..
كان الوقت هو الذي يمد لنا يده كي يساعدنا على وصول القمة..وحرس من ظلال أعقبوا حرسا من قديم…
تقول كتب التاريخ، المكتوب بتدير الهندسات، إن ليكسوس شيدت سنة 1180 قبل الميلاد على يد أحد ملوك الأمازيغ في مملكة موريتانيا القديمة، وعرفت المدينة ازدهارا كبيرا في عهد الملك الأمازيغي يوبا الثاني طوال القرن الأول قبل الميلاد. ليكسوس مدينة أثرية تبعد 3 كلم عن مدينة العرائش …
وماكان هندسة للملوك، يتحول إلى حجر يسودُّ
ويتدحرج عبر الزمن أكثر مما يتدحرج عبرالأمكنة..
بنيت على الضفة اليمنى لوادي اللوكوس من المدخل الشمالي للعرائش فوق هضبة تسمى التشوميس مطلة على الساحل الأطلسي على علو 80 مترا، تقدر مساحتها بأكثر من 75 هكتارا ..
موقع ليكسوس نزهة القوافل منذ القديم ومنتصف الجغرافيات المعروفة وقتها: بيزنطة، روما، قرطاج، ثم حواضر المتوسط البشرية…
تقول وثائق التعريف إن الليكسوس،» قد تم اكتشافها على عدة مراحل خلال القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ اهتمام الباحثين الغربيين بالموقع سنة 1845 وسنة 1877م حيث تعرف عليها الباحث الفرنسي جاك فيتسو ثم في سنة 1890م وضع الباحث الفرنسي هينري دولا مرتينيير أول تصميم للموقع من خلال دراسته لتاريخ المدينة، إلا أن الحفريات الرئيسية بدأت سنة 1925م من طرف باحث إسباني موفد من طرف مصلحة الآثار الإسبانية خلال استعمارهم لمدينة العرائش، ولكن الأبحاث الأكثر أهمية كانت في فترة القرن العشرين والتي قام بها باحث إسباني آخر، ميكييل ديتراكييل وذلك خلال الخمسينيات حيث تركزت على الفترة الفينيقية بالموقع «.
هنا، في حي المعابد بجميع مبانيه، نزلت الآلهة، من خيال العابدين إلى حضن الأرض، وظلت الأرواح تتجول إلى أن غادرته نهائيا، بل إلى أن يضع مهندس فرنسي خياله عليها وينقلها إلينا في مجسمات.
وهنا في المسرح الدائري تتعالى أصوات من حجر وتراب، ويمر في الخيال خيالة يلوحون بعواطفهم: لا أحد يميز اللغات هنا، خليط منها تحمله الريح المنعشة هذا الأصيل إلى أقصى نقطة في العذوبة..
هنا مذبح هرقل المتواجد بجزيرة قريبة من مصب نهر اللوكوس، ويؤرخ له بالقرن الثاني عشر قبل الميلاد.
هنا قصر أنتيوس ومعركته ضد هرقل.
وهنا حديقة الهسبيريسات ذات التفاح الذهبي التي كان يحرسها تنين رهيب ..
كم مرة سقط الخيال إلى الأرض من أسطورات القدم
هنا تلة الأكروبول.
مركز الحياة الدينية في العهد الروماني قبيل هلال المسيح ..
وهنا أيضا تكاد تلفحك حرارة الحمامات العمومية، كما تلفحك أغنيات المسرحيات في المدرج القريب منها، والذي يعدّ فريدا من نوعه بالشمال الإفريقي.
من حسن حظنا يوم الجمعة، أننا وجدنا فرقا من الشباب المغربي القاطن في هولاندا، وقد جاؤوا في رحلة ليتعرفوا على مغرب مشع، بحجارة من ذهب وحكايات..
وإذا لم تتغير أقدار العرائش بهذه العودة الضاجة بالتاريخ والهندسات والحكايات، من القرن الثامن قبل الميلاد، بكل مواكب الحضارات: من يوبا إلى آخر الأباطرة الرومان، فلا بد أن هناك خللا في الحاضر، وعجزا عن أن يكون في مستوى مجد الماضي…
أمام من يملك قرار الأركيولوجيا، كنز ثمين…
ومن يملك قرار السياحة، معرض حي من التاريخ…
أمامهم 32 قرنا لإقناع الزوار بالمجيء إلى هنا،
ايييه.. نعم.. 12 قرنا قبل الميلاد و20 قرنا بعد الميلاد، وإذا لم نستطع أن نغري العالم بأن يأتي ليرى كيف كان منذ ثلاثين قرنا، فذلك معناه أن السياسة معطوبة ولن تصلح حتى أن تكون حجرا فوق تلة ندية…
هنا لنا أن نقترح عليهم ليال يتكور فيها الحجر، قمرا في حكاية قديمة،
أمازيغية حينا،
ورومانية حينا آخر،
وقرطاجنية،
وبيزنطية،
وعرايشية، في النهاية… يتحلق حولها التاريخ في بقايا معبد أو في مدرجات المسرح
لِصْق الليكسوس
وبالقرب من أحواض تمليح السمك وصناعة الكروم..
هنا أيضا تقف في الأعلى
وتفكر في قصيدة جديدة كقصيدة تغويها
وتقودها إلى الليكسوس، لكي تجرب خيالها في المتعة
وخيالها في مضاهاة هذا الأسر الرفراف ..
وقد لا نكون مجبرين هنا على مجاراة الشاعرية، بقدرما علينا أن نعرض كل حواسنا للهواء الصاعد من أربع جهات
ومن الجهة الخامسة كالتاريخ
ومن الحاسة السادسة: شيء ما سيتغير في المنطقة والمغرب بعد أن يعرف العالم هذه المنطقة…
وسيتحقق ما نعرفه جميعنا: العرائش منذورة لكي تكون من أجمل مدن البلاد
وربما الأجمل، بهذه الروافد الأثرية…

يتبع

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 29/04/2019