الطعن الأخلاقي في … الانتخابات وما يليه !

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لا أحد وجد نفسه مجبرا على الطعن السياسي في الانتخابات التي جرت في شتنبر 2021، وكان ذلك إقرارا بتدبيرها السياسي المتفق عليه، والمقبول من طرف كل مكونات الحقل الوطني. وشهادة على سلامتها، من الأعطاب المعتادة في التدخل الإداري والترابي في نتائجها.
غير أن ما يحصل، سواء من جهة طاقم الفائزين أو من جهة السلوكات التي سادت مع صعود الطاقم الجديد للديموقراطية التمثيلية وموردها البشري، صار يفرض طعنا أخلاقيا فيها، بلا تردد.
بينت الفترة الفاصلة بين إعلان النتائج وبين ترتيب الهندسات التدبيرية والتوازنات السياسية في المؤسسات، بأن الطعن السياسي لا يلغي الطعن الأخلاقي فيها!
وهو طعن لا يقف عند استهجان الهجانة الفكرية والانزلاق السلوكي، ولا في إرادة الهيمنة بكل الوسائل (بما فيها الوسائل المشروعة!!!!).
أول وأكبر مظهر من مظاهر موجبات الطعن الأخلاقي هو ما نتج عنها من ملفات قضائية تطعن في السلم القيمي لأصحابها.
فقد استفقنا على فضائح عالية الضغط والصوت، وتداخلت أصوات الإدانة بهمسات الأسرار، واحتل الفيديو والسياسة، والجنس والكوكايين.، الواجهة وكل ذلك في ضواحي الدولة !
اكتشفنا أن الانتخابات وتوازناتها، تحت مظلة الكوكايين والشيرا، قد أعطت رئاسة الجهات والمدن، ذات الحساسية العالية، لمن هم مطعون في سلامتهم السياسية، والطعن موضوع تحت مجهر الأمن والقضاء …
العنصر الآخر في خطاب الانهيار الأخلاقي هو أن القضايا والمتابعات، والمكشوف والمخفي الأعظم في الوضع الراهن، سرعان ما خلق عكس ما تم الترويج له، أي لما أصبحت تشكلات كاملة من النخب سياسية قيل أنه تم استقطابها وإقناعها بالسياسة ودخولها مغامرة التحزب جوهرها المعلن هو إيجاد الحل لتآكل الوساطات وعتاقة الأحزاب وتراجع المرجعيات الإيديولوجية … فإذا بها قد صارت هي المشكلة!!
إلى جانب القضاء والأمن اللذين قاما بما يجب،ولعل أحسن ما قدماه، للحقيقة، أنهما لم يتسترا على المنتمين إليهم، هناك المساءلة السياسية التي توجب على المعنيين أن يحددوا انحيازهم الحاسم والفاصل إلى جانب التطهير، والمساءلة التي يقوم بها جزء من الطيف السياسي .ولعل المعنيين بالقرار. اليوم يجدون أمامهم تصريحا مزلزلا للكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، الذي تحدث في السبت الماضي بالحي المحمدي، عن مافيات منظمة دخلت مجال السيادة الشعبية :فكان القائد الاتحادي يسائل منظومة القرار، وهو يذكّر من يحتاج إلى الذكرى :
أولا: أن مافيات استولت على الانتخابات ووجهتها لما يخدم انزلاقها وانحرافها، وورطت المؤسسات في صيرورات تخطت المحظور ولم تراع حدودا، سواء سياسية وأخلاقية أو ترابية .( ولعل رمزية الكركرات في الحروب ضد المخدرات، رسالة هامة ومؤشر خطير للغاية أيضا: تستطيع الدولة المغربية أن تهزم أعتى خصومها في الكركرات وتُفشل أخطر المؤامرات في الكركرات، ولكن هناك من يصر على أن يغازلها ويلمسها من تحت الحدود، ويختار الكركرات لتمرير ما ينسف البلاد، ويُظهِر الدولة بمظهر الضعيف أمام شبكته وغرائزه ومؤامراته !!!).
وطرح تبعا لذلك ضرورة العمل على اجتثاث هذه المجموعات، الاجتثاث العادل والمسؤول والمؤطر مؤسساتيا، وبحقوق التقاضي …
ثانيا: الكشف عن اتفاق سياسي، كان قد حصل وقت الإعداد للانتخابات، وقد قال الأستاذ إدريس لشكر، وهو رجل قانون ومحاماة قبل السياسة والتنظيم، إن الأطراف كلها، اقتنعت بضرورة تحصين الانتخابات من البارونات الذين ترعرعوا في أحضانها أو يستظلون بمظلاتها لأجل مواصلة نسف الروح الوطنية والمنظومة الأخلاقية.
وقال بأنه »قبل الانتخابات بأسابيع، هناك مَنْ «تيَّك» الكارطا وأعادهم إلى الواجهة«..! وهو قول ثقيل في ميزان الحقيقة التي لا يمكن أن نحجبها عن … الوطن. وهو ما يستدعي أن يشتعل الفضاء العمومي بالنقاش، والمساءلة في عز ما نعرفه اليوم من تداعيات رهيبة، توجد مصداقية الاقتراع العام في قلبها..
الحاجة إلى الطعن الأخلاقي تكتمل بالتفكير في تداعيات ما يحدث على الثقة في المؤسسات، وما ينال الثوابت الأخلاقية للبلاد من جرائها. نحن نتابع استيلاء نماذج لا ثقة فيها على المؤسسات التي تقوم على…الثقة! وهي مؤسسات نابعة من صميم الاقتراع العام، وروح الأمة. وليس هناك ما هو أخطر على هذه المؤسسات من أن ينالها الذين لا هَمَّ لهم سوى مصالحهم ونزواتهم وبالتالي تنفير المغاربة، منها ومن أهدافها.. والبحث عن أجوبة بعيدا عن السياق المؤسساتي، وبعيدا عن الوسائل النظيفة، التي ظهرت عاجزة أمام منحيين:
تراجع الثقة في المؤسسات، واستبدالها بالثقة في التجريبية النضالية غير المؤطرة،من جهة، والتحكم المافيوزي في هذه المؤسسات، وتدبيرها بتوازنات خارج المشروع والمشروعية والشرعية بمال مفرط، حضور ملتهب له، حتى ولو كان .. مالا حلالا!!
فما بالك به وهو حصاد التهريب الممنوع والاتجار في المخدرات..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/01/2024