العروي: لماذا يزعج التاريخُ حكامَ الجزائر!

عبد الحميد جماهري

نكتشف من مصاحبة عبد لله العروي في كتابه عن «دفاتر كوفيد»، وفي الشق المتعلق بالتطورات التي تعرفها علاقتنا بنخبة الحكم في الجارة الشرقية، أن من الأساطير المؤسسة لخطاب الجزائر «الثورية» تركيزها على حداثة عهدها بالتاريخ.
وما قد يعتبره الآخرون نقصا تاريخيا في حمضها النووي تعتبره هي ميزة وورقة رابحة. ولعل المؤرخ يعد بأبعد من ذلك عندما يجزم بأن «كونها تقدم نفسها»، باعتبارها وليدة المرحلة الاستعمارية، يعطيها نوعا من القرابة مع دول كثيرة في العالم، ولا سيما في القارة الإفريقية التي ولدت بفعل المقص الاستعماري.
وذلك منذ البداية، حتى في زمن أحمد بن بلة وصديقه المؤرخ محمد حربي(العروي الجزائري بمعني من المعاني) فقد كانت هاته الفكرة مؤسسة. ويقول العروي إن «ما يثير الدهشة في قضية الجزائر والتاريخ، هو أن الجزائريين بعد 1962 كانوا يقدمون أنفسهم، بطواعية وأريحية، على أنهم أبناء ثورة لا تدين بشيء للماضي، عكس المغرب الذي يسبح في نظرهم في العتاقة ..». وعلى هذا الأساس كانوا يدعون الريادة في ما بين الدول والأنظمة التي ولدت من انفجار الإمبراطوريات الكولونيالية في إفريقيا وآسيا. والمقصود بها فرنسا وانجلترا أساسا. وهذا الموقع، أو الوضع الاعتباري الناشئ عن الما بعد الاستقلالات الوطنية هو «ما أتاح لهم أن يجدوا بسهولة آذانا صاغية في قضية الصحراء».
وتلخيص ذلك كذلك، هو أن الجزائر ما كان لها أن تكون لولا أن الاستعمار فكك الإمبراطوريات العتيدة والواسعة الأطراف.ومن هنا فهو يجزم باستحالة وجود سياسة مغايرة للجزائر إزاء المغرب. ويقول إنه «لا يمكن أن تكون للجزائر سياسة مغايرة لما هي عليه: سياسة الجزائر المستقلة هي سياسة الجزائر الفرنسية».
ومن الفقرات التي تبعث على التفكير والوقوف الطويل عندها، في سياق العلاقة مع التاريخ الحديث، يصف العروي ظروف المعركة من أجل استقلال الجزائر ويقول من بين ما يقول: «إذا كان المفاوضون الجزائريون في ايفيان قد حالفهم الذكاء في تقديم تنازلات لفرنسا، وهو ما ضمن لهم من بعد دعم هاته الأخيرة . فلم يكن لهم سبب مباشر وفوري يجبرهم على فعل نفس الشيء مع مطالب المغرب، الذي كان وقتها يتخبط في المشكل الموريتاني».
وهو تقدير قوي بأن نظام الحكم في الجزائر تعامل مع الاستعمار بشكل أفضل من … إخوانه المغاربة!!
ومن الفقرات التي وجدت فيها نفسي، (دون تواضع مزيف) هو حديث العروي عن الجزائر باعتبارها وريثة القوة الاستعمارية»، وذلك على إثر قراءة ما وقع في محكمة لاهاي، عند عرض قضية الصحراء من طرف المغرب وطلبه رأيا استشاريا لهذه الهيئة الدولية في العلاقة بينه وبين أقاليمنا الجنوبية. في هذا الوضع بالذات» كانت الأطروحة التي دافعت عنها الجزائر في محكمة لاهاي تتلخص في ما يلي: «نحن أبناء اللحظة، (اولاد اليوم بدارجتنا) – نحن ورثة القوة الاستعماريةـ ولا ندين بشيء للماضي بتاتا»!
وقد سبق للعبد الفقير لرحمة ربه أن كتب في (2024/03/05) عن «الجزائر التي تتولى المشروع الكولونيالي الفرانكاوي جنوب وشمال المغرب»، نشر في الجريدة، وذلك عبر سعيها إلى تفكيك المغرب، وعن حلولها محل الاستعمار الإسباني في الجنوب، وقد تأكد ذلك، مرة أخرى، عندما أعلنت احتضانها لما سمي بالحزب الوطني الريفي وإعلانه قيام جمهورية الريف، في نفس التوجه الذي ساعدت به لقيام حركة انفصالية تسعى إلى استقلال الصحراء وقيام دولة تحت حكمها في الساقية ووادي الذهب.
في الجوار ذاته، تقف الجارة إلى جانب التاريخ بنفس الحمولة العدائية عند الجيران. وهو ما يدفع العروي إلى إعطاء عمق الذكريات نفس الحمولة الحربية لديهم ويقول في هذا الباب: إن حالات سوء الفهم في السياسة يمكن أن تتأتَّى في الغالب من التفاوت في عمق الذكريات، البعض له ذاكرة قصيرة، وآخرون لهم ذكريات ضاربة في القدم، أقدم من الآخرين، وهو واضح بين المغاربة والجزائريين.
(في عدد قادم: كيف تعاند الجغرافيا
سياسة الجنرلات ونخبة الجزائر؟)

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 01/06/2024