العنصريون وحرب أوكرانيا والمهاجر المثالي!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
مالت العديد من التعاليق الصحفية المواكبة للحرب الدائرة رحاها بين موسكو وكييف، إلى مقارنات تفاضلية بين المهاجرين القادمين من أوكرانيا والآخرين القادمين من أماكن أخرى غير بؤرة الحرب، وهم عادة ما يأتون من ضواحي العالم الحر والنظيف والأبيض. وقد بنت التعاليق هذه المفاضلة المقيتة على نوعية اللباس والانتماء الجغرافي الأوروبي والعرق، كقاعدة مدسوسة في تعابير »عادية»!
هم يشبهون الغربيين، ونحن لا، لأننا غرباء في اللغة وفي الضحكات وفي الجوع وفي السحنات!
هم تشبه عائلاتهم عائلات الأوروبيين ونحن لا، فإما بلا عائلات أو بعائلات غريبة، شكلا ومضمونا أو مخبأة في الدموع و«الساشيات» البلاستيكية.
هم يأتون بالسيارات والحافلات الشبيهة بالحافلات والسيارات الأوروبية، ونحن نأتي كمطر أو كسيل أو عاصفة زرقاء مع الموج ومراكب لا تشبه مراكب فيينا ولا البندقية.
وشخصيا لا أجد سوى الغضب الساخر، وسط هذه الحرب التي تلتهم اليابس في أوكرانيا والمتجمد من أطرافها، إذ كلما سقط صاروخ في قطعة أرضية في كييف، انفجرت أحقاد أوروبية إزاء الشعوب الأخرى، العربية والأمازيغية والإفريقية والآسيوية والكردية والأزدية وهلم… بحرا وبرا!
هكذا تفجر صواريخ الكسندر الروسي، ليس فقط المباني القابلة للدمار، بل تفجر أخلاق الدمار القابل للبناء السياسي في الغرب الآن.
فأن يجتهد إعلاميون غربيون اجتهادا غير مسبوق في فصل المقال في ما بيننا وبين المهاجرين الأوكرانيين من انفصال، ذلك تحقير عارم للمأساتين، تبخيس كبير وترتيب لا أخلاقي بينهما، حسب الجنس والعرق والدين.
لقد أعطتهم الحرب فرصة للمقارنة، بين هجرة أوروبية أوروبية وهجرة أجنبية غير أوروبية.
ولم يشفع للأوكرانيين المتغربين في عز الحرب أنهم هربوا من نفس الحرب التي يهرب منها السوري والعراقي واليمني.
لكل حربه التي تليق به، في أعراف العنصريين. ولم يشفع للمهاجرين الأفارقة كل الانقلابات و ما التهمته الحضارة الغربية لكي تصبح حضارة ناضجة، من خيراتهم واغتيال مستقبلهم، بعد التهام ماضي آبائهم، فقد وجدوا أن المهاجرين الأوكرانيين مهاجرون حضاريون، متعلمون ويشكلون جزءا من أوروبا، وهم عندما ينتقلون من أوكرانيا إلى فرنسا أو هولندا إنما يغيرون فقط المكان الحضاري نفسه مؤقتا، في حين يقيمون باستمرار في الزمن الحضاري الغربي الكبير والشاسع.
أما نحن، أفارقة وعراقيون ومغاربة وسوريون وجزائريون وتونسيون، فعادة ما نخرج كما عودتنا حضارتنا، بدْوًا بدائيين ومتخلفين عن مستجدات الحداثة!
فنحن ننسى سياراتنا وكتبنا وأحذيتنا وملابسنا وحياتنا، وغالبا ما نصل حفاة عراة أفاقين … وغالبا ما ننسى حياتنا ونموت في البحار التي تحيط ببلدانهم.لا شيء يخجلهم في ما فعلوا بهذه الدول أيضا.
إنها نخبة مسوسة لم تجد ما تعالج به خطأ شنيعا اسمه الحرب وقدرا شنيعا اسمه الهجرة سوى بإضافة خطيئة أوسع منهما معا، وهي العنصرية!
أوروبا، في عرف جزء من عقلها الإعلامي الضليل، تريد أن يكون المهاجرون من بين صفوفها، ومن جلدتها، وهي لن تقبل أن يموت غيرهم فوق ترابها، حتى يليق القتيل بالجنازة الحضارية التي تريدها له، كفرق بين جنازته وبين جنازة تشارك فيها الحيتان والطحالب في أعماق المتوسط أو البحر الأحمر.
هي حرب تكتمل، بشناعة حرب أخرى، كما لو أن العقول العنصرية لا ترى الحرب حربا اقتصادية ومالية شاملة على روسيا فقط بل لا بد من إتمام قوسها بأن تشمل الشرق المهاجر والمغرب المهاجر والقارة المهاجرة…
كلنا في هذا القوس شر.. وشرق !
في الواقع يريد المعلق العنصري أن يقول بأننا لا نشبهه كما يشبهه المهاجر الأوكراني.
والمدن التي نأتي منها نحن ليست مدنا تشبه كييف ولا مدن أوربا المتحضرة والأوروبية، وكل العائلات تشبه العائلات التي تصل إليها كما لو كانت عائلة للتبني في حين تنتظرنا عائلات الملاجئ والحضانات الأمنية وحرس الحدود، الذي يليق بأن يكون لنا أُسْرة استقبال!
لقد صار من الطبيعي أن يهان الهارب من حرب في الشرق الأوسط، لأنه أضاع الفرصة وهو تحت النيران أو قريبا من المجاعة، في تنظيم خوفه بطريقة تجعله يفكر في سيارة براقة وملابس راقية قبل أن ييمم شطر طريق الهجرة، وكان عليه أن يثبت جدارته بأحضان أوروبا، عطرا وأناقة وبشرة ولغة وقربا …
بئس السيناريو الذي تعده العقول الضحلة للبشرية في مآسيها.
ومع ذلك،هناك عقدة تتربص بهم، وهذه العقدة التي تتربص بهم، لاشعوريا، هي: إن الذين يأتون إلينا هم الذين يشبهوننا، ومرحبا بهم، لكننا لن نذهب أو نبعث أبناءنا ليموتوا دفاعاعنهم، هناك حيث كانوا ـ قبل المجيء إلينا ـ لا يشبهوننا!
عقدة العنصري الجبان، الذي لا يرافع عن عنصريته إلا وهو محميٌّ بديموقراطية في الإعلام أو في السياسة وفي الفضاء العام!
لن يخفى على الإنسانية الأوروبية التي نقتسم معها مصير الأرض ومن يقيم عليها، أن البحث عن المهاجر المثالي، هو ارتداد لنظريات القرن الماضية التي تقيم معايير وقواعد «جينية» وعرقية، لتحديد طبيعة البشر وتقييم حظهم من الحضارة، والنزعة العِرْقِية، هي حظ العنصرية حين تجتهد، والهجرة مجرد فرع من فروعها في الواقع، لأن المطلوب منها، كان يتضمن أيضا التعقيم الإجباري لخدمة الثقافة المهيمنة، كما هو حال أوروبا الآن، بل تشديد الإطار التشريعي والمدني بخصوص الزواج، ملامحه بدأت مع عنصريات الموجة الثانية، ثم الهجرة بناء على خصائص عرقية ووراثية وسياسية… إلخ إلخ إلخ، وهي استعادة للمنظومة القانونية للنازية في 1933 وقانونها الشهير حول الموضوع!
هي النزعة نفسها في تحسين أنواع البطاطا والفاصوليا والطماطم وأنواع «الباندا»!
ستكون خلاصة الحرب أن عقل النخبة المعنية هنا عاد بكل سهولة إلى عتمة كهفه العنصري، هناك حيث يقيم وحش البيولوجيا السياسية، وعنصرية الدولة!
والسلام على أوكرانيا وعلى مهاجريها، وعلى من ظلوا في مساكنهم خائفين أو مقاومين!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/03/2022