الـخـلاصـات الأوروبية حول حادثة مليلية… والـجـزائـر

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لا أعتقد بأن عبارة انقلب السحر على الساحر تكفي في وصف النهاية الباردة التي أريدت للحرب الساخنة من وراء تجييش المهاجرين، فلا الساحر أثبت أنه ساحر ولا السحر ثبت أنه سحر، كل ما في الأمر أن الدول والأطراف التي نشأت على منطق العسكرة، بما فيها عسكرة كل الفضاءات العمومية والرياضية والطبيعية في بلادها، تعتقد اعتقاد العجائز الذين أطالوا المقام فوق كراسي السلطة، أن التوتر هو الأسلوب الوحيد في …. الوجود السياسي…
الأوروبيون المعنيون الأولون بما حصل في الفارق الصعب بين مليلية والناظور خرجوا بالاستنتاجات التي تفرض نفسها، وكذلك المحفل الدولي الذي تابع المعضلة.
فهذه المفوضة الأوروبية للشؤون الخارجية، إيلفا يوهانسون، تتحدث إلى البرلمان الأوروبي بستراسبورغ،( وليس مجموعة برلمانيين كما سعت إلى ذلك دولة الجوار العدائي) وأكدت أمامه »أن المغرب »شريك استراتيجي محوري« بالنسبة للاتحاد الأوروبي و»يضطلع بدور «رئيسي» في تدبير الهجرة والتصدي للمهربين«.
ولكن الأهم أن السيدة يوهانسون أكدت بالجهر ما يقوله كثيرون بالتلميح، »أن الأشخاص المتورطين في أحداث الناظور قدموا من السودان ومروا عبر ليبيا والجزائر…
انتهى الكلام في واقعة أصبحت لمن كانوا في حاجة إلى دليل شهادة على طبيعة التوظيف الذي تقوم به دولة الجوار…
لقد كان وزير ما يسمى بشؤون المغرب الكبير عمار بلاني هازئا وساخرا من بيان السفارة المغربية في مدريد الذي تحدث، بلغة ديبلوماسية كبيرة وطاعنة في الأدب، عن «تساهل »جزائري إزاء الهجرة.
وذهب به الغلو والسفاهة إلى أن اعتبر أن المغرب يهرب إلى الأمام، وتحدث عن «دخول شرعي« لهؤلاء المهاجرين وإقامة فوق التراب المغربي هي بدورها شرعية !
الرد الأوروبي، من زاوية المنطق ألقمه حجرا .. ولعله سيصعب عليه أن يلوكه طويلا أو يهضمه.
لم يكن المغرب في حاجة إلى دليل بل إن ما سجلته إفريقيا، بطلابها وموظفيها وأطرها .. وغيرهم، دليل إنساني كبير يغني المغرب عن الدفاع عن نفسه في وجه أبناء عائلته المؤسسية..
كانت أوروبا مترددة في النظر من زاوية نظره.. وقد تحققت المناسبة مع الهجوم المسلح.
والآن؟
اختارت أوروبا شريكها في العمل »قصد التصدي للمهربين ومعالجة الأسباب الجذرية، والحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية وتحسين التدفقات القانونية« وساقت المغرب كمثال حي ودائم وإجباري .
بيدرو سانشيز من جهته خص يومية «»إل باييس»« بحديث في بداية السابع الذي نودعه أعطى فيه العنوان الذي يجب أن يكون عندما دعا صراحة »إسبانيا وأوروبا إلى إظهار التضامن مع المغرب في حربه ضد شبكات الهجرة غير الشرعية«.
لكن التعريف الذي أعطاه للأحداث لم يكن عاديا، عندما وسمه بالهجوم …
رئيس الحكومة الإسباني تحدث عن »هجوم عنيف نفذه مهاجرون مسلحون !
وهو ما يخرج المعنيين من خانة المهاجرين السلميين الذاهبين إلى غدهم بقوة اليأس والأمل المطبوخة على حجر الصبر. ..
والخلاصة العامة من هذه المقاربة هي أننا أمام دولة لا تتورع في دفع أبناء الكثير من الشعوب في حربها ضد المغرب…
والمافيات … قد تكون دولة كاملة الأركان !
والهجرة سلاح بيد من يملك أسلحة أخرى منها الانفصال وزعزعة الاستقرار.
إن إسبانيا التي تحدثت باسم أوروبا، تحدثت أيضا باسم ـ الناتو –
وهو الحلف الذي اعتبر في آخر قمة له بمدريد أن وسائل زعزعة استقرار أوروبا، لا تقف عند الإرهاب، بل تتعداه إلى الهجرة … والمحروقات. وهي الأسلحة التي تعتقد الطغمة العسكرية أنها تملكها وتجيد استعمالها.
والمجموعات الإرهابية في قاموس المفهوم الاستراتيجي الجديد للناتو لا تقل خطورة عن مافيات الاتجار في البشر والتهجير الممول للأفارقة وغير الأفارقة،.. والتحالفات في المنطقة أصبحت واضحة، لا تخفى على أي كان.. والذين اختاروا العمل مع ميليشات الفاغنر وميليشيا البوليزاريو، وميليشيات الهجرة غير الشرعية، اختاروا أسلوب تموقعهم في المنطقة.. كما أن أوروبا اليوم التي تعتبر أن أمنها واستقرارها يبدأ من حدود المغرب الجنوبية لا يمكن أن تظل مترددة في الموقف الحازم من تقلبات الغرب المتوسطي ومنطقة الساحل جنوب الصحراء وعلاقة كل ذلك بالمخطط الجزائري لتفجير المنطقة وتفتيت المغرب وبمعنى أوضح، لا يمكن للأوروبيين أن يقفوا عند »ويل للمصلين ..»، بل عليهم أن يستخلصوا الخلاصة المنطقية الحاسمة وهي أن الدولة التي تستعمل المهاجرين لزعزعة استقرار ضفتهم الجنوبية، هي نفسها التي تستعمل أبناء جزء من المغاربة لزعزعة استقرار بلادنا، ولا يمكن للأوروبيين أن يرفضوا دولة تزعزع استقرارهم ويقبلون بها عندما تزعزع استقرار المغرب !…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/07/2022