الفصل بين الجد واللعب‮..‬

عبد الحميد جماهري

دست الجزائر زعيم الانفصاليين باسم‮ «‬محمد بن بطوش‮»‬،‮ ‬بين المغرب وإسبانيا،‮ ‬فكان ما كان‮…!‬
ودسته باسمه العلني‮ ‬إبراهيم‮ ‬غالي‮ ‬بين المغرب والاتحاد الأوربي،‮ ‬ولن‮ ‬يكون الذي‮ ‬توقعته أن‮ ‬يكون‮!‬
وبدا إبراهيم‮ ‬غالي،‮ ‬مثل شخص زائد في‮ ‬حفلة مشتركة بين أوروبا وإفريقيا،‮ ‬أحدهما لا‮ ‬يعرف أهل الشريك كلهم،‮ ‬فيضطر إلى أن‮ ‬يعلق على باب قاعة الأفراح‮ ‬لافتة كتب عليها تنبيها بالبنط العريض‮ ‬يقول‮ ‬فيه:سيأتي‮ ‬أحدهم لا علاقة لنا به،‮ ‬حتى ولو كان مدعوا من طرف أحدنا‮»!‬
كان الاتحاد الأوربي‮ ‬يرمم علاقة كسرتها القصة البطوشية،‮ ‬في‮ ‬ديار مدريد الإسبانية،‮ ‬وكانت السيدة ‮‬رئيسة مفوضيته،‮ «‬أورسولا فون دير لاين‮» ‬قد وصلت إلى بلادنا،‮ ‬في‮ ‬أول زيارة لها منذ‮‬2019،‮ ‬تاريخ تنصيبها‮. ‬وفهمنا أن أوربا،‮ ‬التي‮ ‬كانت تستعد لعقد قمة الاتحاد الأوربي‮ ‬‭- ‬الإفريقي‮ ‬بعد‮ ‬يومين من زيارتها،‮ ‬في‮ ‬17‮ ‬و18‮ ‬فبراير الجاري،‮ ‬تريد العودة إلى مناخ الصداقة العريقة‮..‬
‬وقد كان تجاوب الملك محمد السادس‮ ‬واضحا‮: ‬يجب أن‮ ‬يبقى الاتحاد الأوروبي‮ ‬صديقا استراتيجيا تجمعنا به شراكة بنفس الأبعاد‮..‬
‬وبدا من‮ ‬ترتيبات ما قبل القمة،‮ ‬أن الاتحاد الإفريقي‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يحضرها بدون أن‮ ‬يدعو‮ ‬كل‮ ‬الأعضاء فيه ولو بقوة التقادم ‬المؤسساتي‮ ‬الذي‮ ‬ترعاه دولتان هما جنوب إفريقيا والجزائر‮…‬
غير مقنع في‮ ‬ملتي‮ ‬واعتقادي‮ ‬أن‮ ‬يدخل دار أوربا‮ ‬من لا تؤمن به أوربا أو تعترف،‮ ‬ولكن‮ ‬أعتقد،‮ ‬ولله أعلم،‮ ‬أن المغرب كان‮ ‬يعرف حجم القصة كلها ولم‮ ‬يرد أن‮ ‬ينفخ فيها‮..‬
على كل،‮ ‬القضية هي‮ ‬أنه لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬تدعي‮ ‬الدولة الجزائرية‮ ‬أن الوصول الى بروكسيل شيء تربحه الجزائر،‮ ‬فهي‮ ‬لم تحض باعتراف واضح وصريح‮ ‬من أوربا بكيانها المزروع في‮ ‬رحمها منذ خمسين سنة بدون أن‮ ‬يولد‮: ‬لعله أطول حمل كاذب في‮ ‬تاريخ الثدييات العسكرية قبل الحضارات والدول‮..!‬
لقد اختارت الجزائر في‮ ‬الرحلة الأولى لابن بطوش‮ ‬طائرة تابعة لمخابراتها‮: ‬وكانت الطائرة سرية والمساعد سريا‮ ..‬فكانت النتيجة قضيةً‮ ‬عالقة بين ردهات المحاكم الإسبانية ذاتها وبين أروقة الديبلوماسية في‮ ‬غرب المتوسط‮..‬
ومازال بيدرو سانشيز‮ ‬يعول على البلاغة العاطفة والالتباس السياسي‮ ‬من أجل حل معضلة جيوستراتيجية ومصيرية‮..‬
في‮ ‬المرحلة الثانية كانت الطائرة جزائريةً‮ ‬وجواز السفر جزائريا،‭ ‬والوفد جزائريا والمستقبلون جزائريين‮.. ‬وكان على العقل الأوربي،‮ ‬من باب التمرين‮ ‬المسرحي‮ ‬لا‮ ‬غير،‮ ‬أن‮ ‬يطرح سؤالا إشكاليا‮: ‬كيف‮ ‬يكون ابن بطوش هو‮ ‬غالي‮ ‬إبراهيم ولا‮ ‬يكون‮ ‬غالي‮ ‬إبراهيم هو ابن بطوش‮‬،‮ ‬في‮ ‬رحلتين إلى عاصمتين أوربيتين،‮ ‬مدريد وبروكسل؟
كيف‮ ‬يتسلل كمهاجر سريٍّ‮ ‬ويتسلل كجزائري‮ ‬معلنٍ‮ ‬في‮ ‬نفس الوقت بفارق‭‬‮ ‬زمني‮ ‬صغير؟
لن‮ ‬يستيقظ وليام شكسبير من القبر لكي‮ ‬يرد على سؤال فرضه خيال الجنرالات الجزائريين،‮ ‬لكن المستقبل لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون فيه مقعد لابن بطوش ومن معه‮.‬
هنا نصل الجد ونعود إليه؛
لقد تحول الاتحاد الأوربي‮ ‬من جدار خلفي،‮ ‬شبه عقائدي‮ ‬إلى مخاطب وشريك للمغرب،‮ ‬علنيا وجيواسراتيجيا‮. ‬بدأ بأن جعل من نفسه المدافع عن المغرب في‮ ‬قضية المحكمة الأوربية المسيسة والمأدلجة،‮ ‬ثم‮ ‬اختار‮ ‬الانطلاق في‮ ‬ترتيب القمة،‮ ‬البدء من المغرب قبل الشروع في‮ ‬النزول نحو أدغال إفريقيا وبنوكها ومدنها،‮ ‬وجعله بوابتها،حيث‮ ‬جاءت رئيسة مفوضيته إلى المغرب قبل الذهاب إلى‮ «‬دكار‮» ‬عاصمة السينغال التي‮ ‬يرأس رئيسها‮ «‬ماكي‮ ‬سال‮» ‬الاتحاد الإفريقي،‮ ‬للإعلان عن حزمة الأوربيين الجديدة لخلق البوابة الكبرى،‮ ‬أو الجديدة‮ «‬البوابة العالمية‮» (‬غلوبال‮ ‬غيتواي‮) ‬في‮ ‬منافسة الصين‮..‬
وهي‮ ‬منافسة لا تهمنا في‮ ‬الوضع الحالي‮!‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 21/02/2022