الفلاحة والدعم المباشر : نقول لأخنوش ما قاله هو ذاته لابن كيران
عبد الحميد جماهري
نقول لأخنوش ما قلناه لابن كيران بل لعل الأكثر صوابا هو أن نقول لأخنوش ما قاله هو ذاته لابن كيران، ويمارس عكسه الآن !!
على جدول الأعمال الوطني، في مغرب اللحظة، هنا والآن، نقطتان مثيرتان للجدل والتفكير السياسيين.
يتعلق الأمر في النقطة الأولى بصندوق التنمية القروية، والنقطة الثانية بالدعم المباشر.
ولعل من المفيد أن نقول منذ انطلاق الكتابة والنقاش أن رئيس الحكومة طور حولهما تناقضا كبيرا منذ حكومة بنكيران إلى الآن، ولعله صار عدوَّه اللدود في هذه النقطة لأنه صار يشبهه فيهما .
بالنسبة للصندوق المتعلق بالتنمية القروية كان الصراع قد أوحى لعبد ربه الفقير إلى رحمته بعنوان يبدو وكأنه كان مبالغا فيه بتنصيصه على «صراع في أعالي الدولة»، وليس سرا أن منطلقه هو أن قضية بهذا الحجم، تمس الفلاحة والفلاحين، ( الفلاح المغربي المدافع عن العرش كما كتب باحث وكاتب فرنسي في كتاب شهير يحمل نفس الاسم)، ما كان له أن يكون موضوع تنابز سياسي ولا سجال أكاديمي، بل موضوع تدبير وتدبر سياسي دستوري في صالح الجميع.
عبد الإله بنكيران كان قد سلَّم «بهزيمته» في الملف من أجل استمرار تماسك أغلبيته أو لاستمرار التطبيع مع من يشكلون معه الأغلبية وقتها.. والنتيجة معروفة.
وفي الشق الثاني من التشابه المفارقة، كان عزيز أخنوش حاسما في عدم التسليم بتدبير الحكومة لملف الدعم المباشر، تحسبا لاستغلال سياسي في الانتخابات من طرف العدالة والتنمية.
وبالرغم من هذا التخوف فإن «عدالة» ابن كيران حصل على ما لم يحصل عليه أي حزب في تاريخ الانتخابات ببلادنا…
الصراع الأول كان يدور بين وزيري الفلاحة والمالية وبين رئيس الحكومة، وانتهى إلى ما يشبه السلام المسلح بترك القضية على ما هي عليه، وخرجت أصوات من «البيجيدي» تقول إن ما بين «بنكيران وأخنوش..لن يتطور ليصبح أزمة حكومية»، غير أن نفس الصندوق تدور حوله اليوم مناوشات، مُسايفات عادة، والسجال الذي ثار حوله في الإعلام وفي أروقة البرلمان لم يعط كل ما لديه من «طاقة سلبية»، ولكنه ما زال قائما، وإن كان رئيس الحكومة قد توجس الأمر من قبل، فجاء بوزير هارون أخيه! ما دام السيد الصديقي هو في الوقت نفسه إطار من طاقمه الذي خاض معه الحرب سابقا، ضد رئيس الحكومة…
ولكن لا شيء يضمن بأن يتعالى غبار المنازعات في سياق أغلبية تتعاون وتتربص ببعضها في الوقت ذاته.
نقطة الخلاف الثانية تتعلق بتطبيق القانون رقم 58.23 المتعلق بنظام الدعم الاجتماعي المباشر.
وبالرغم من كل شيء فإن الوتيرة التي يتم بها الدعم وما سيشترطه من تقويمات طوال تنزيله سيفرض أجندة مستمرة إلى حين حلول الانتخابات، كما ندرك، كلنا «الترويض الدعائي» الذي يتم داخل المجتمع لهذا الأمر.
لقد تبين من خلال الدعم المقدم للمقاولات الصغرى والتكتلات العديدة في النسيج الاقتصادي أن قطاعات واسعة منها ارتبطت بالحزب الذي كان يدير وزارة الصناعة بكل قطاعاتها، وارتبطت قطاعات عديدة من رجال المال بل ومن المطاعم والمراكز السياحية وغيرها بالحزب الذي تقدم الانتخابات.. وليس سرا أن العديد منَّا كان يدرك الإقبال ـ في قطاعات لم تكن تنتسب إلى أي تكتل سياسي ـ على الحزب الذي أشرف على تقديم الدعم العمومي للمقاولات والقطاعات المنتجة.. فما بالك بمن لا يملك قوت يومه؟؟؟؟؟
وإلى حدود شتنبر الماضي كان رئيس الحكومة يفتخر بأنه أبعد الدعم المباشر عن “الاستغلال الانتخابي”.. كما لو أنه يقول لنا بأن اسمه وحده ضمانة لهذا الاستبعاد !
والحال أن الأمر يتعلق بضمانات دستورية وتدبير سياسي يقوم على المنطق وعدم التناقض و… عدم وجود الثالث المرفوع!
وعليه، فالذي لا يجب أن يتجاوزه المنطق السليم هو أن يسمح رئيس الحكومة لنفسه بما لم يسمح به للرئيس الذي سبقه.
لاسيما وأن لا شيء في التأطير القانوني والدستوري لعمل الحكومة تغير ” الدستور هو نفسه، الذي رسم طريق العمل لابن كيران ولأخنوش بعده، والليبرالية هي ذاتها، كل ما فعله ابن كيران هو أنه “أجاز العمل بها واستحلالها ” وبالرغم من الفارق الإيديولوجي مع توجه أخنوش، فهما يتلقيان في هذا الاستحلال hallalisation ، ولعل الاستمرارية الدستورية ستمتد قوتها أيضا من قوة الخطاب الملكي الذي وضع حواجز أخلاقية سياسية لأي استغلال، لمَّا قال جلالته إن هذا التوجه الاجتماعي، لا سيما في الحماية الاجتماعية أو في الدعم المباشر، يجب أن يكون فوق الأحزاب والحسابات الحزبية السياسوية الضيقة.
وليس صدفة أن محاور هذا العمل الاجتماعي قد عرضها جلالته عند نهاية الولاية الحكومية السابقة وقبل بداية هذه الولاية الحكومية، بما يعني أن اختيار الفاصل الزمني لطرح المشروع الملكي فيه رسالة أنه خارج الزمن الانتخابي..
وهذا هو ما دافع عنه الاتحاديون والاتحاديات في مجلسهم الوطني، يوم السبت الماضي، وما أوردوه في بيانه الختامي، وهم يرافعون من أجل تنزيه المشروع الاجتماعي السامي عن “البرشمان” الحزبي !
بالنسبة لنا..حدث التوافق داخليا وخارجيا أن المغرب اختار، بإرادة وبدون الحاجة إلى رهان قوة اجتماعي وتمرد طبقي محرج، الدخول في مسار الدولة الاجتماعية، حتى صار أن هكذا مفهوم وواقع تطلب بروزه حوالي قرنين في الدول الغربية، منذ أيام بسمارك وبروسيا العظمى كما يقال، عاد متداولا كأي مصطلح يملأ التحليلات ويحضر في كل المقالات والتصريحات السياسية … وقد يكون من الإنصاف أن نتحدث، في التاريخ الاجتماعي المغربي، عن بينغ بانغ، شبيه بلحظة الانفجار التي تشكلت منها المجرة المغربية التي نحن بصدد تشكيلها، ولابد لتقدير هذا الانفجار الكبير في أسلوب تدبير الدولة ومطالب الشعب، من العودة إلى بعض من تاريخ المفهوم وسياقه، وهذا ما كتبناه يوم 30 أكتوبر 2023!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 31/01/2024