الفيزا … والتنرفيزا!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يقتنع الفريق العامل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن صناديق الاقتراع تصير فزاعة كلما كان سكان المغرب الكبير في فرنسا بأعداد كثيرة.
وهو ذا التفكير السياسي الذي أملى على الحكومة الحالية التقليص من عدد الفيزات الممنوحة للمغاربيين، ويستفاد منه أنه كلما زاد عدد طالبي الفيزا- ومن ثمةالحاصلين عليها- كلما انخفضت حظوظ النجاح في الانتخابات.
يفكرون هكذا ويعلنون شيئا آخر: هذه الدول الثلاث، المغرب تونس والجزائر لا تريد استرجاع أبنائها غير المرغوب فيهم ببلاد الأنوار..
فلماذا فرضت فرنسا التقليص من عدد الفيزا الممنوحة للمغرب والجزائر وتونس؟
ظاهريا، لأن بلاد المغرب وتونس والجزائر ترفض استرجاع عدد من مواطنيها
أولئك الذين الذين لا ترغب بهم في فرنسا،
أولئك الذين لا يمكن أن تبقيهم على أراضيها بحسب الناطق باسم الحكومة..
لقد نسي الناطق أتال بأن حق اللجوء الذي يتمتع به هؤلاء هو حق يضمنه دستور فرنسا نفسها!!!
والسياق الوحيد، من جهة ثانية،الذي يبرر هذا التقليص العدائي، هو الانتخابات -إذ لم تمر أي منها في فرنسا ، على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة – بدون أن تحتل الهجرة موقعا مركزيا في النقاش الانتخابي… ويتمركز النقاش في فرنسا على الهوية، والإسلام وعلاقتهما التوترية ويمثلان حجر الزاوية في تحديد التموقعات الإيديولوجية والسياسية في فرنسا..
بالإضافة إلى الهجرة كحركة إنسانية وانسيابية، تهم مئات الملايين عبر العالم
إن الشعور بالعجز أمام الناخب من جهة وأمام تحمل دورها الأخلاقي، يجعل من فرنسا تلجأ إلى الحل السهل في وقف الـ»فيزات«، وهي فيزات رسمية وليست هجرة سرية..
قرار بالفعل غبي نوعا ما،بالرغم من العقل الديكارتي المقدس في فرنسا الأنوار..
فالأمر يبدو كما لو أن هناك كوطا معينة من المغاربة والتونسيين والجزائريين، لا يجب تجاوزها..وإذا حصل، ففرنسا ستسعى إلى ضبط التوازن العددي لهذه الدول وساكنتها…
كم عدد الباقين غير المرغوب فيهم persona non grata
وكم سيطلب المغاربيون من فيزا ليتناسب عددهم مع عدد الباقين غير المرغوب فيهم؟
أشعر بأن تعليل الحكومة الفرنسية ينم عن نرفزة مصطنعة
وغضب تاكتيكي لدغدغة العاطفة اليمينية المتطرفة..
فالعديد من المراقبين يرون أن » إيمانويل ماكرون، يحاول تشديد الإجراءات المتعلقة بالمهاجرين، لاسترضاء ناخبي اليمين واليمين المتطرف«، كما كتبت كل الوكالات ووسائل الإعلام بما فيها الفرنسية..
والواضح أن فرنسا لا تفرق بين الدول الثلاث حتى وإن سعت الى التقدم منفردة
واحدة تسابق الأخرى إلى طاولة باريس..
فرنسا عندما يقلقها المهاجرون لا تفرق بين بلدانهم، وكما في رواية »ايليز أو الحياة الحقيقية «elise ou la vraie vie: كل المغاربيين يسمون محمدا!!
كما أن الغموض حيال المستقبل السياسي للرئيس، يحاول فريقه علاجه بالوضوح في العداء لدول الهجرة التي بنت فرنسا بعد الحربين،وبعد في كل الأزمات.
في ألمانيا مثلا،امتلك “البديل لألمانيا” اليميني المتطرف الذي كان في الانتخابات السابقة عام 2017 أول قوة معارضة في مجلس النواب، مستغلا مخاوف جزء من الألمان بشأن وصول مئات آلاف المهاجرين، الحكمة ليدرك بأن حصان الهجرة لم يعد من المواضيع التي تهم كثيرا الرأي العام، فغيَّر التاكتيك نحو التموقع كمدافع عن »الحريات« في مواجهة قيود مكافحة كوفيد.
فأمام ماكرون ملف ساخن وقضية مصيرية، تتمثل في تخوف أوربا من تهميش جيوسياسي، وفرنسا بالذات معنية به، بسبب الصفقة/ الصفعة حول الغواصات النووية التي فسختها، أستراليا معها لفائدة خلق حلف ثلاثي أمريكي بريطاني أسترالي في المحيط الهادي والهندي!
وهناك واقع حاد، يتمثل في العولمة وفي الهويات الفردية، في ارتباط وثيق بتدبير الحدود والهجرة، وقياس فعالية السيادة في تدبيرهما.. ولعل ما يقع في آسيا الهادئ والهندي، هو المحك الحقيقي لقياس الفعالية السيادية لفرنسا وليس الهجرة..
كما أنه إذا كان لا أحد يتجنب هذا المعطى، فإن دول الجنوب تقيم الدليل على قدرتها على تجاوز التخوفات غير المبررة والمضخمة لصورة الآخر، ودليلنا في موقف المغرب نفسه
خلال الاجتماع رفيع المستوى للدورة السادسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي دافع عن مواصلة تنزيل استراتيجيته الوطنية الرائدة إقليميا في مجال الهجرة واللجوء.
وحسنا فعل وزير الخارجية عندما ذكر العالم باختيار جلالة الملك محمد السادس، رائدا لقضايا الهجرة في منظمة الاتحاد الإفريقي، وباحتضان مؤتمر اعتماد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية في مراكش في دجنبر 2018، وبالرباط كأول مرصد للهجرة في الاتحاد الإفريقي!
اخيرا، إن الانتخابات ستجري في أبريل القادم، ومازالت أمامنا سبعة أشهر،ربما تريد باريس أن تحصل خلالها على عرض مغاربي من أجل استرجاع أبناء الشمال الإفريقي، فتربح حلفاءها التقليديين وتعطي لليمين المتطرف ما يريد!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/09/2021